مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٢٨
المسألة الثانية : ما المراد من الظلم هاهنا؟ نقول فيه وجوه الأول : هو كيدهم نبيهم، والثاني : عبادتهم الأوثان، والثالث : كفرهم وهذا مناسب للوجه الثاني.
المسألة الثالثة : دون ذلك، على قول أكثر المفسرين معناه قبل ويؤيده قوله تعالى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ [السجدة : ٢١] ويحتمل وجهين آخرين أحدهما : دون ذلك، أي أقل من ذلك في الدوام والشدة يقال الضرب دون القتل في الإيلام، ولا شك أن عذاب الدنيا دون عذاب الآخرة على هذا المعنى، وعلى هذا ففيه فائدة التنبيه على عذاب الآخرة العظيم وذلك لأنه إذا قال عذابا دون ذلك أي قتلا وعذابا في القبر فيتفكر المتفكر ويقول ما يكون القتل دونه لا يكون إلا عظيما، فإن قيل فهذا المعنى لا يمكن أن يقال في قوله تعالى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ قلنا نسلم ذلك ولكن لا مانع من أن يكون المراد هاهنا هذا الثاني على طريقة قول القائل : تحت لجاجك مفاسد ودون غرضك متاعب، وبيانه هو أنهم لما عبدوا غير اللّه ظلموا أنفسهم حيث وضعوها في غير موضعها الذي خلقت له فقيل لهم إن لكم دون ذلك الظلم عذابا.
المسألة الرابعة : ذلِكَ إشارة إلى ما ذا؟ نقول الظاهر أنه إشارة إلى اليوم وفيه وجهان / آخران أحدهما :
في قوله يُصْعَقُونَ [الطور : ٤٥] وقوله يُغْنِي عَنْهُمْ [الطور : ٤٦] إشارة إلى عذاب واقع فقوله ذلك إشارة إليه، ويمكن أن يقال قد تقدم قوله إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ [الطور : ٧] وقوله دُونَ ذلِكَ، أي دون ذلك العذاب ثانيهما : دُونَ ذلِكَ، أي كيدهم فذلك إشارة إلى الكيد وقد بينا وجهه في المثال الذي مثلنا وهو قول القائل : تحت لجاجك حرمانك، واللّه أعلم.
المسألة الخامسة : وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ذكرنا فيه وجوها أحدها : أنه جرى على عادة العرب حيث تعبر عن الكل بالأكثر كما قال تعالى : أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ : ٤١] ثم إن اللّه تعالى تكلم على تلك العادة ليعلم أن اللّه استحسنها من المتكلم حيث يكون ذلك بعيدا عن الخلف ثانيها : منهم من آمن فلم يكن ممن لا يعلم ثالثها : هم في أكثر الأحوال لم يعلموا وفي بعض الأحوال علموا وأقله أنهم علموا حال الكشف وإن لم ينفعهم.
المسألة السادسة : مفعول لا يَعْلَمُونَ جاز أن يكون هو ما تقدم من الأمر : وهو أن لهم عذابا دون ذلك، وجاز أن لا يكون له مفعول أصلا، فيكون المراد أكثرهم غافلون جاهلون. ثم قال تعالى :
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٨]
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨)
وقد ذكرناه في تفسير قوله تعالى : فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ [طه : ١٣٠] ونشير إلى بعضه هاهنا فإن طول العهد ينسي، فنقول لما قال تعالى : فَذَرْهُمْ [الطور : ٤٥] كان فيه الإشارة إلى أنه لم يبق في نصحهم نفع ولا سيما وقد تقدم قوله تعالى : وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ [الطور : ٤٤] وكان ذلك مما يحمل النبي صلى اللّه عليه وسلم على الدعاء كما قال نوح عليه السلام رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح : ٢٦] وكما دعا يونس عليه السلام فقال تعالى : وَاصْبِرْ وبدل اللعن بالتسبيح وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بدل قولك اللّهم أهلكهم ألا ترى إلى قوله تعالى : فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ


الصفحة التالية
Icon