مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٤٨
تأذيه من الناس إذا آذاه إنسان الآخر جاء يؤذينا، وربما يسكت على قوله أنت الآخر فيفهم غرضه كذلك هاهنا.
المسألة الثانية : وهي في الترتيب أولى ما فائدة الفاء في قوله أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وقد استعمل في مواضع بغير الفاء؟ قال تعالى : أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأحقاف : ٤] رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ [فاطر : ٤٠]، نقول لما قدم من عظمة آيات اللّه في ملكوته أن رسول اللّه إلى الرسل الذي يسد الآفاق ببعض أجنحته ويهلك المدائن بشدته وقوته لا يمكنه أن يتعدى السدرة في مقام جلال اللّه وعزته، قال أفرأيتم هذه الأصنام مع زلتها وحقارتها شركاء اللّه مع ما تقدم، فقال بالفاء أي عقيب ما سمعتم من عظمة آيات / اللّه تعالى الكبرى ونفاذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى، فانظروا إلى اللّات والعزى تعلموا فساد ما ذهبتم إليه وعولتم عليه.
المسألة الثالثة : أين تتمة الكلام الذي يفيد فائدة ما؟ نقول قد تقدم بيانه وهو أنه يقول هل رأيتم هذه حق الرؤية، فإن رأيتموها علمتم أنها لا تصلح شركاء، نظيره ما ذكرنا فيمن ينكر كون ضعيف يدعي ملكا، يقول لصاحبه أما تعرف فلانا مقتصرا عليه مشيرا إلى بطلان ما يذهب إليه ثم قال تعالى :
[سورة النجم (٥٣) : آية ٢١]
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١)
وقد ذكرنا ما يجب ذكره في سورة والطور في قوله أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ [الطور : ٣٩] ونعيد هاهنا بعض ذلك أو ما يقرب منه، فنقول لما ذكر اللّات والعزى ومناة ولم يذكر شيئا آخر قال إن هذه الأشياء التي رأيتموها وعرفتموها تجعلونها شركاء للّه وقد سمعتم جلال اللّه وعظمته وإن الملائكة مع رفعتهم وعلوهم ينتهون إلى السدرة ويقفون هناك لا يبقى شك في كونهم بعيدين عن طريقة المعقول أكثر مما بعدوا عن طريقة المنقول، فكأنهم قالوا نحن لا نشك أن شيئا منها ليس مثلا للّه تعالى ولا قريبا من أن يماثله، وإنما صورنا هذه الأشياء على صور الملائكة المعظمين الذين اعترف بهم الأنبياء، وقالوا إنهم يرتقون ويقفون عند سدرة المنتهى ويرد عليهم الأمر والنهي وينهون إلى اللّه ما يصدر من عباده في أرضه وهم بنات اللّه، فاتخذنا صورا على صور الإناث وسميناها أسماء الإناث، فاللّات تأنيث اللوة وكان أصله أن يقال اللاهة لكن في التأنيث يوقف عليها فتصير اللاهة فأسقط إحدى الهاءين وبقيت الكلمة على حرفين أصليين وتاء التأنيث فجعلناها كالأصلية كما فعلنا بذات مال وذا مال والعزى تأنيث الأعز، فقال لهم كيف جعلتم للّه بنات وقد اعترفتم في أنفسكم أن البنات ناقصات والبنين كاملون، واللّه كامل العظمة فالمنسوب إليه كيف جعلتموه ناقصا وأنتم في غاية الحقارة والذلة حيث جعلتم أنفسكم أذل من خمار وعبد ثم صخرة وشجرة ثم نسبتم إلى أنفسكم الكامل، فهذه القسمة جائزة على طريقكم أيضا حيث أذللتم أنفسكم ونسبتم إليها الأعظم من الثقلين وأبغضتم البنات ونسبتموهن إلى الأعظم وهو اللّه تعالى وكان على عادتكم أن تجعلوا الأعظم للعظيم والأنقص للحقير، فإذن أنتم خالفتم الفكر والعقل والعادة التي لكم. وقوله تعالى :
[سورة النجم (٥٣) : آية ٢٢]
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢)
فيه مسائل :
المسألة الأولى :(تلك) إشارة إلى ما ذا؟ نقول إلى محذوف تقديره تلك القسمة قسمة ضيزى أي غير عادلة، ويحتمل أن يقال معناه تلك النسبة قسمة وذلك لأنهم ما قسموا وما قالوا لنا البنون وله البنات، وإنما نسبوا إلى


الصفحة التالية
Icon