مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٥
ينزل عليكم العذاب بسبب هذا الجهل المفرط والوقاحة التامة الثالث : لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ حيث تصرون على طلب العذاب وهب أنه لم يظهر لكم كوني صادقا، ولكن لم يظهر أيضا لكم كوني كاذبا فالإقدام على الطلب الشديد لهذا العذاب جهل عظيم.
ثم قال تعالى : فَلَمَّا رَأَوْهُ ذكر المبرّد في الضمير في رأوه قولين أحدهما : أنه عائد إلى غير مذكور وبينه قوله عارِضاً كما قال : ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر : ٤٥] ولم يذكر الأرض لكونها معلومة فكذا هاهنا الضمير عائد إلى السحاب، كأنه قيل : فلما رأوا السحاب عارضا وهذا اختيار الزجاج / ويكون من باب الإضمار لا على شريطة التفسير والقول الثاني : أن يكون الضمير عائدا إلى ما في قوله فَأْتِنا بِما تَعِدُنا أي فلما رأوا ما يوعدون به عارضا، قال أبو زيد العارض السحابة التي ترى في ناحية السماء ثم تطبق، وقوله مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قال المفسرون كانت عاد قد حبس عنهم المطر أياما فساق اللّه إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من واد يقال له المغيث فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ استبشروا وقالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا والمعنى ممطر إيانا، قيل كان هود قاعدا في قومه فجاء سحاب مكثر فقالوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا فقال : بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ من العذاب ثم بيّن ماهيته فقال : رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ. ثم وصف تلك الريح فقال : تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ أي تهلك كل شيء من الناس والحيوان والنبات بِأَمْرِ رَبِّها والمعنى أن هذا ليس من باب تأثيرات الكواكب والقرانات، بل هو أمر حدث ابتداء بقدرة اللّه تعالى لأجل تعذيبكم فَأَصْبَحُوا يعني عادا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
روي أن الريح كانت تحمل الفسطاط فترفعها في الجو حتى يرى كأنها جرادة،
وقيل أول من أبصر العذاب امرأة منهم قالت رأيت ريحا فيها كشهب النار، وروي أن أول ما عرفوا به أنه عذاب أليم،
أنهم رأوا ما كان في الصحراء من رجالهم ومواشيهم يطير به الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم فعلقت الريح الأبواب وصرعتهم، وأحال اللّه عليهم الأحقاف، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين، ثم كشفت الريح عنهم فاحتملتهم فطرحتهم في البحر، وروي أن هودا لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع فكانت الريح التي تصيبهم ريحا لينة هادئة طيبة، والريح التي تصيب قوم عاد ترفعهم من الأرض وتطيرهم إلى السماء وتضربهم على الأرض،
وأثر المعجزة إنما ظهر في تلك الريح من هذا الوجه، وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«ما أمر اللّه خازن الرياح أن يرسل على عاد إلا مثل مقدار الخاتم»
ثم إن ذلك القدر أهلكهم بكليتهم، والمقصود من هذا الكلام إظهار كمال قدرة اللّه تعالى، وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان إذا رأى الريح فزع وقال :«اللّهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما أرسلت به».
المسألة الثانية : قرأ عاصم وحمزة لا يُرى بالياء وضمها مَساكِنُهُمْ بضم النون، قال الكسائي معناه لا يرى شيء إلا مساكنهم، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي لا تَرى على الخطاب أي لا ترى أنت أيها المخاطب، وفي بعض الروايات عن عاصم لا ترى بالتاء مَساكِنُهُمْ بضم النون وهي قراءة الحسن والتأويل لا ترى من بقايا عاد أشياء إلا مساكنهم. وقال الجمهور هذه القراءة ليست بالقوية.
ثم قال تعالى : كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ والمقصود منه تخويف كفار مكة، فإن قيل / لما قال اللّه


الصفحة التالية
Icon