مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٥٣
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في تعلق الفاء بالكلام وفيه وجوه الأولى : أن تقديره الإنسان إذا اختار معبودا في دنياه على ما تمناه واشتهاه فللّه الآخرة والأولى يعاقبه على فعله في الدنيا وإن لم يعاقبه في الدنيا فيعاقبه في الآخرة، وقوله تعالى : وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ إلى قوله تعالى : لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ [النجم : ٢٦] يكون مؤكدا لهذا المعنى أي عقابهم يقع ولا يشفع فيهم أحد ولا يغنيهم شفاعة شافع الثاني : أنه تعالى لما بيّن أن اتخاذ اللّات والعزى باتباع الظن وهوى الأنفس كأنه قرره وقال إن لم تعلموا هذا فللّه الآخرة والأولى، وهذه الأصنام ليس لها من الأمر شيء فكيف يجوز الإشراك وقوله تعالى : وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ على هذا الوجه جواب كلام كأنهم قالوا لا نشرك باللّه شيئا، وإنما هذه الأصنام شفعاؤنا فإنها صورة ملائكة مقربين، فقال : وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً الثالث : هذه تسلية كأنه تعالى قال ذلك لنبيه حيث بيّن رسالته ووحدانية اللّه ولم يؤمنوا فقال لا تأس فللّه الآخرة والأولى أي لا يعجزون اللّه الرابع : هو ترتيب حق على دليله / بيانه هو أنه تعالى لما بيّن رسالة النبي صلى اللّه عليه وسلم بقوله إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم : ٤] إلى آخره وبيّن بعض ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم وهو التوحيد، قال إذا علمتم صدق محمد ببيان الرسالة اللّه تعالى : فللّه الآخرة والأولى لأنه صلى اللّه عليه وسلم أخبركم عن الحشر فهو صادق الخامس : هو أن الكفار كانوا يقولون للمؤمنين أهؤلاء أهدى منا؟ وقالوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ [الأحقاف : ١١] فقال تعالى : إن اللّه اختار لكم لدنيا وأعطاكم الأموال ولم يعط المؤمنين بعض ذلك الأمر بل قلتم : لو شاء اللّه لأغناهم وتحققتم هذه القضية فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى قولوا في الآخرة ما قلتم في الدنيا يهدي اللّه من
يشاء كما يغني اللّه ما يشاء.
المسألة الثانية : الْآخِرَةُ صفة ما ذا؟ نقول صفة الحياة أو صفة الدار وهي اسم فاعل من فعل غير مستعمل، تقول أخرته فتأخر وكان من حقه أن تقول فأخر كما تقول غبرته فغبر فمنعت منه سماعا، ولهذا البحث فائدة ستأتي إن شاء اللّه.
المسألة الثالثة : الْأُولى فعلى للتأنيث، فالأول إذن أفعل صفة. وفيه مباحث.
البحث الأول : لا بد من فاعل أخذ منه الأفعل والفعلى فإن كل فعلى وأفعل للتأنيث والتذكير له أصل فليؤخذ منه كالفضلى والأفضل من الفاضلة والفاضل، فما ذلك؟ نقول هاهنا أخذ من أصل غير مستعمل كما قلنا إن الآخر فاعل من فعل غير مستعمل، وسبب ذلك هو أن كل فعل مستعمل فله آخر، وذلك لأن له ماضيا فإذا استعملت ماضيه لزم فراغ الفعل وإلا لكان الفاعل بعد في الفعل فلا يكون ماضيا فإنك لا تقول لمن هو بعد الأكل أكل إلا متجوزا عند ما يبقى له قليل، فيقول أكل إشارة إلى أن ما بقي غير معتد به وتقول لمن قرب من الفراغ فرغت فيقول فرغت بمعنى أن ما بقي قليل لا يعتد به فكأني فرغت، وأما الماضي في الحقيقة لا يصح إلا عند تمام الشيء والفراغ عنه فإذا للفعل لمستعمل آخر فلو كان لقولنا آخر على وزن فاعل فعل هو آخر يأخر كأمر يأمر لكان معناه صدر مصدره كجلس معناه صدر الجلوس منه بالتمام والكمال فكان ينبغي أن القائل إذا قال فلان آخر كان معناه وجد منه تمام الآخرية وفرغ منها فلا يكون بعد ما يكون آخر لكن تقدم أن كل فعل فله آخر بعده لا يقال يشكل بقولنا تأخر فإن معناه صار آخرا لأنا نقول وزن الفعل ينادي على صحة ما ذكرنا فإنه من باب التكلف والتكبر إذا استعمل في غير المتكبر أي يرى أنه آخر، وليس في الحقيقة كذلك، إذا علمت هذا فنقول


الصفحة التالية
Icon