مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٥٧
لِمَنْ يَشاءُ كان المكلف مترددا لا يعلم مشيئته فقال : وَيَرْضى ليعلم أنه العابد الشاكر لا المعاند الكافر، فإنه تعالى قال : إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر : ٧] فكأنه قال : لِمَنْ يَشاءُ ثم قال : وَيَرْضى بيانا لمن يشاء، وجواب آخر على قولنا : لا تغني شفاعتهم شيئا ممن يشاء، هو أن فاعل يرضى المدلول عليه لمن يشاء كأنه قال ويرضى هو أي تغنيه الشفاعة شيئا صالحا فيحصل به رضاه كما قال : ويرضى هو أي تغنيه الشفاعة وحينئذ يكون يرضى للبيان لأنه لما قال : لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ إشارة إلى نفي كل قليل وكثير كان اللازم عنده بالاستثناء أن شفاعتهم تغني شيئا ولو كان قليلا ويرضى المشفوع له ليعلم أنها تغني أكثر من اللازم بالاستثناء، ويمكن أن يقال وَيَرْضى لتبيين أن قوله يَشاءُ ليس المراد المشيئة التي هي الرضا، فإن اللّه تعالى إذا شاء الضلالة بعبد لم يرض به، وإذا شاء الهداية رضي فقال : لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى ليعلم أن المشيئة ليست هي المشيئة العامة، إنما هي الخاصة. ثم قال تعالى :
[سورة النجم (٥٣) : آية ٢٧]
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧)
وقد بينا ذلك في سورة الطور واستدللنا بهذه الآية ونذكر ما يقرب منه هاهنا فنقول الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ / هم الذين لا يؤمنون بالرسل ولا يتبعون الشرع، وإنما يتبعون ما يدعون أنه عقل فيقولون أسماء اللّه تعالى ليست توقيفية، ويقولون الولد هو الموجود من الغير ويستدلون عليه بقول أهل اللغة : كذا يتولد منه كذا، يقال الزجاج يتولد من الآجر بمعنى يوجد منه، وكذا القول في بنت الكرم وبنت الجبل، ثم قالوا الملائكة وجدوا من اللّه تعالى فهم أولاده بمعنى الإيجاد ثم إنهم رأوا في الملائكة تاء التأنيث وصح عندهم أن يقال سجدت الملائكة فقالوا : بنات اللّه، فقال : إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى أي كما سمي الإناث بنات. وفيه مسائل :
المسألة الأولى : كيف يصح أن يقال إنهم لا يؤمنون بالآخرة مع أنهم كانوا يقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه، وكان من عادتهم أن يربطوا مركوبا على قبر من يموت ويعتقدون أنه يحشر عليه؟ فنقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أنهم لما كانوا لا يجزمون به كانوا يقولون لا حشر، فإن كان فلنا شفعاء يدل عليه قوله تعالى :
وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى [فصلت : ٥٠] ثانيهما : أنهم ما كانوا يعترفون بالآخرة على الوجه [الحق ] وهو ما ورد به الرسل.
المسألة الثانية : قال بعض الناس أنثى فعلى من أفعل يقال في فعلها آنث ويقال في فاعلها أنيث يقال حديد ذكر وحديد أنيث، والحق أن الأنثى يستعمل في الأكثر على خلاف ذلك بدليل جمعها على إناث.
المسألة الثالثة : كيف قال تسمية الأنثى ولم يقل تسمية الإناث؟ نقول عنه جوابان أحدهما : ظاهر والآخر دقيق، أما الظاهر فهو أن المراد بيان الجنس، وهذا اللفظ أليق بهذا الموضع لما جاء على وفقه آخر الآيات.
والدقيق هو أنه لو قال يسمونهم تسمية الإناث كان يحتمل وجهين : أحدهما : البنات وثانيهما : الأعلام المعتادة للإناث كعائشة وحفصة، فإن تسمية الإناث كذلك تكون فإذا قال تسمية الأنثى تعين أن تكون للجنس وهي البنت والبنات، ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنهم لما قيل لهم إن الصنم جماد لا يشفع وبيّن لهم إن أعظم أجناس


الصفحة التالية
Icon