مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٥٩
يقال لها صفة عند حالة ما تدب بدب مخصوص غير الدب العام الذي في الكل كما لو دبت بليل لأخذ شيء أو غيره، أو يقال إنما سميت الملائكة ملائكة لطول انتسابهم من قبل خلق الآدمي بسنين لا يعلم عددها إلا اللّه، فمن لم يصل إلى اللّه ويقوم ببابه لا يحصل له العهد والانتساب فلا يسمى بذلك الاسم.
الجواب عن الثالث : نقول الجموع القياسية لا مانع لها كفعال في جمع فعل كجمال وثمار وأفعال كأثقال وأشجار وفعلان وغيرها، وأما السماع وإن لم يرد إلا قليلا فاكتفى بما فيه من التعظيم من نسبة الجمع إلا باب اللّه ويكون من باب المرأة والنساء.
الجواب عن الرابع : فالمنع ولعل هذا منه أو نقول حمل فعيلى على فعيل في الجمع كما حمل فيعل في الجمع على فعيل فقيل في جمع جيد جياد ولا يقال في فعيل أفاعل، ويؤيد ما ذكرنا أن إبليس عند ما كان واقفا بالباب كان داخلا في جملة الملائكة، فنقول قوله تعالى : وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [الكهف : ٥٠] عند ما صرف وأبعد خرج عنهم وصار من الجن.
وأما ما قاله بعض أهل اللغة من أن الملائكة جمع ملأك، وأصل ملأك مألك من الألوكة وهي الرسالة ففيه تعسفات أكثر مما ذكرنا بكثير، منها أن الملك لا يكون فعل بل هو مفعل وهو خلاف الظاهر، ولم لم يستعمل مآلك على أصله كمآرب ومآثم ومآكل وغيرها مما لا يعد إلا بتعسف؟ ومنها أن ملكا لم جعل ملأك ولم يفعل ذلك بأخواته التي ذكرناها؟ ومنها أن التاء لم ألحقت بجمعه ولم لم يقل ملائك كما في جمع كل مفعل؟ والذي يرد قولهم قوله تعالى : جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فاطر : ١] فهي غير الرسل فلا يصح أن يقال جعلت الملائكة رسلا كما لا يصح جعلت الرسل مرسلين وجعل المقترب قريبا، لأن الجعل لا بد فيه من تغيير ومما يدل على خلاف ما ذكروا أن الكل منسوبون إليه موقوفون بين يديه منتظرون أمره لورود الأوامر عليهم. ثم قال تعالى :
[سورة النجم (٥٣) : آية ٢٨]
وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨)
وفيما يعود إليه الضمير في بِهِ وجوه أحدها : ما نقله الزمخشري وهو أنه عائد إلى ما كانوا يقولون من غير علم ثانيها : أنه عائد إلى ما تقدم في الآية المتقدمة من علم، أي ما لهم باللّه من علم فيشركون وقرئ ما لهم بها. وفيه وجوه أيضا أحدها : ما لهم بالآخرة وثانيها : ما لهم بالتسمية ثالثها : ما لهم بالملائكة، فإن قلنا (ما لهم بالآخرة) فهو جواب لما قلنا إنهم وإن كانوا يقولون الأصنام شفعاؤنا عند اللّه وكانوا يربطون الإبل على قبور الموتى ليركبوها لكن ما كانوا يقولون به عن علم، وإن قلنا بالتسمية قد تكون وهو أن العلم بالتسمية حاصل لهم، فإنهم يعلمون أنهم ليسوا في شك، إذ التسمية قد تكون وضعا أوليا وهو لا يكون بالظن بل بالعلم بأنه وضع، وقد يكون استعمالا معنويا ويتطرق إليه الكذب والصدق والعلم، مثال الأول : من وضع أولا اسم السماء لموضوعها وقال هذا سماء، مثال الثاني : إذا قلنا بعد ذلك للماء والحجر هذا سماء، فإنه كذب، ومن يعتقده فهو جاهل، وكذلك قولهم في الملائكة إنها بنات اللّه، لم تكن تسمية وضعية، وإنما أرادوا به أنهم موصوفون بأمر يجب استعمال لفظ البنات فيهم، وذلك كذب ومعتقده جاهل، فهذا هو المراد بما ذكرنا أن الظن يتبع في الأمور المصلحية، والأفعال العرفية أو الشرعية عند عدم الوصول إلى اليقين، وأما في الاعتقادات فلا يغني الظن شيئا من الحق، فإن قيل : أليس الظن قد يصيب، فكيف يحكم عليه بأنه لا يغني أصلا؟ نقول


الصفحة التالية
Icon