مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٧
أي اتخذوهم شفعاء متقربا بهم إلى اللّه حيث قالوا هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس : ١٨] وقالوا ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر : ٣] وفي إعراب الآية وجوه الأول : قال صاحب «الكشاف» : أحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين هو محذوف والثاني : آلهة وقربانا حال، وقيل عليه إن الفعل المتعدي إلى مفعولين لا يتم إلا بذكرهما لفظا، والحال مشعر بتمام الكلام، ولا شك أن إتيان الحال بين المفعولين على خلاف الأصل الثاني : قال بعضهم قُرْباناً مفعول ثان قدم على المفعول الأول وهو آلهة، فقيل عليه إنه يؤدي إلى خلو الكلام عن الراجع إلى الذين والثالث : قال بعض المحققين : يضمر أحد مفعولي اتخذوا وهو الراجع إلى الذين، ويجعل قربانا مفعولا ثانيا، وآلهة عطف بيان، إذا عرفت الكلام في الإعراب، فنقول المقصود أن يقال إن أولئك الذين أهلكهم اللّه هلا نصرهم الذين عبدوهم، وزعموا أنهم متقربون بعبادتهم إلى اللّه ليشفعوا لهم بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ أي غابوا عن نصرتهم، وذلك إشارة إلى أن كون آلهتهم ناصرين لهم أمر ممتنع.
ثم قال تعالى : وَذلِكَ إِفْكُهُمْ أي وذلك الامتناع أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة، وثمرة شركهم وافترائهم على اللّه الكذب في إثبات الشركاء له، قال صاحب «الكشاف» : وقرئ أفكهم والإفك والأفك كالحذر والحذر، وقرئ وذلك إفكهم بفتح الفاء والكاف، أي ذلك الاتخاذ الذي هذا أثره وثمرته صرفهم عن الحق، وقرئ إفكهم على التشديد للمبالغة أفكهم جعلهم آفكين وآفكهم، أي قولهم الإفك، أي ذو الإفك كما تقول قول كاذب.
ثم قال : وَما كانُوا يَفْتَرُونَ والتقدير وذلك إفكهم وافتراؤهم في إثبات الشركاء للّه تعالى، واللّه أعلم.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢٩ إلى ٣٢]
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢)
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما بيّن أن في الإنس من آمن وفيهم من كفر، بيّن أيضا أن الجن فيهم من آمن وفيهم من كفر، وأن مؤمنهم معرض للثواب، وكافرهم معرض للعقاب، وفي كيفية هذه الواقعة قولان الأول :
قال سعيد بن جبير : كانت الجن تستمع فلما رجموا قالوا : هذا الذي حدث في السماء إنما حدث لشيء في الأرض فذهبوا يطلبون السبب، وكان قد اتفق أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما أيس من أهل مكة أن يجيبوه خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام، فلما انصرف إلى مكة، وكان ببطن نخل قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر، فمرّ به نفر من أشراف جن نصيبين، لأن إبليس بعثهم ليعرفوا السبب الذي أوجب حراسة السماء بالرجم، فسمعوا القرآن وعرفوا أن ذلك هو السبب
والقول الثاني : أن اللّه تعالى أمر رسوله أن ينذر الجن ويدعوهم إلى اللّه تعالى ويقرأ


الصفحة التالية
Icon