مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٣٣
المراد منه أنهم صدوا أنفسهم ففيه إشارة إلى أن ما في الأنفس من الفطرة كان داعيا إلى الإيمان، والامتناع لمانع وهو الصد لنفسه.
المسألة الثالثة : في المصدود عنه وجوه الأول : عن الإنفاق على محمد عليه السلام وأصحابه الثاني : عن الجهاد الثالث : عن الإيمان الرابع : عن كل ما فيه طاعة اللّه تعالى وهو اتباع محمد عليه السلام، وذلك لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم على الصراط المستقيم هاد إليه، وهو صراط اللّه قال تعالى : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ [الشورى : ٥٢، ٥٣] فمن منع من اتباع محمد عليه السلام فقد صد عن سبيل اللّه.
المسألة الرابعة : في الإضلال وجوه الأول : المراد منه الإبطال، ووجهه هو أن المراد أنه أضله بحيث لا يجده، فالطالب إنما يطلبه في الوجود، وما لا يوجد في الوجود فهو معدوم. فإن قيل كيف يبطل اللّه حسنة أوجدها؟ نقول إن الابطال على وجوه أحدها : يوازن بسيئاتهم الحسنات التي صدرت منهم ويسقطها بالموازنة ويبقي لهم سيئات محضة، لأن الكفر يزيد على غير الإيمان من الحسنات والإيمان يترجح على غير الكفر من السيئات وثانيها : أبطلها لفقد شرط ثبوتها وإثباتها وهو الإيمان لأنه شرط قبول العمل قال تعالى : مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [غافر : ٤٠] وإذا لم يقبل اللّه العمل لا يكون له وجود لأن العمل لا بقاء له في نفسه بل هو يعدم عقيب ما يوجد في الحقيقة غير أن اللّه تعالى يكتب عنده بفضله أن فلانا عمل صالحا وعندي جزاؤه فيبقى حكما، وهذا البقاء حكما خير من البقاء الذي للأجسام التي هي محل الأعمال حقيقة، فإن الأجسام وإن بقيت غير أن مآلها إلى الفناء والعمل الصالح من الباقيات عند اللّه أبدا، وإذا ثبت هذا تبين أن اللّه بالقبول متفضل، وقد أخبر أني لا أقبل إلا من مؤمن فمن عمل وتعب من غير سبق الإيمان فهو المضيع تعبه لا اللّه تعالى وثالثها : لم يعمل الكافر عمله لوجه اللّه تعالى فلم يأت بخير فلا يرد علينا قوله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة : ٧] وبيانه هو أن العمل لا يتميز إلا بمن له العمل لا بالعامل ولا بنفس العمل، وذلك لأن من قام ليقتل شخصا ولم يتفق قتله، ثم قال ليكرمه ولم يتفق الإكرام ولا القتل، وأخبر عن نفسه أنه قام في اليوم الفلاني لقتله وفي اليوم الآخر لإكرامه يتميز القيامان لا بالنظر إلى القيام فإنه واحد ولا بالنظر إلى القائم / فإنه حقيقة واحدة، وإنما يتميز بما كان لأجله القيام، وكذلك من قام وقصد بقيامه إكرام الملك وقام وقصد بقيامه
إكرام بعض العوام يتميز أحدهما عن الآخر بمنزلة العمل لكن نسبة اللّه الكريم إلى الأصنام فوق نسبة الملوك إلى العوام فالعمل للأصنام ليس بخير ثم إن اتفق أن يقصد واحد بعمله وجه اللّه تعالى ومع ذلك يعبد الأوثان لا يكون عمله خيرا، لأن مثل ما أتى به لوجه اللّه أتى به للصنم المنحوت فلا تعظيم الوجه الثاني : الإضلال هو جعله مستهلكا وحقيقته هو أنه إذا كفر وأتى للأحجار والأخشاب بالركوع والسجود فلم يبق لنفسه حرمة وفعله لا يبقى معتبرا بسبب كفره، وهذا كمن يخدم عند الحارس والسائس إذا قام فالسلطان لا يعمل قيامه تعظيما لخسته كذلك الكافر، وأما المؤمن فبقدر ما يتكبر على غير اللّه يظهر تعظيمه للّه، كالملك الذي لا ينقاد لأحد إذا انقاد في وقت لملك من الملوك يتبين به عظمته الوجه الثالث : أَضَلَّهُ أي أهمله وتركه، كما يقال أضل بعيره إذا تركه مسيبا فضاع.
ثم إن اللّه تعالى لما بيّن حال الكفار بيّن حال المؤمنين فقال :


الصفحة التالية
Icon