مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٥٤
فإن الأمر في الأول يتوقع أن لا يقع وعند إظلاله وعجز الكاره عن إبطاله فهو واقع فقال عَزَمَ والوجهان متقاربان، وقوله تعالى : فَلَوْ صَدَقُوا فيه وجهان على قولنا المراد من قوله طاعة أنهم قالوا طاعة فمعناه لو صدقوا في ذلك القول وأطاعوا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وعلى قولنا طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ خير لهم وأحسن، فمعناه لو صدقوا في إيمانهم واتباعهم الرسول لكان خيرا لهم ثم قال تعالى :
[سورة محمد (٤٧) : آية ٢٢]
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢)
وهذه الآية فيها إشارة إلى فساد قول قالوه، وهو أنهم كانوا يقولون كيف نقاتل والقتل إفساد والعرب من ذوي أرحامنا وقبائلنا؟ فقال تعالى : إن توليتم لا يقع منكم إلا الفساد في الأرض فإنكم تقتلون من تقدرون عليه وتنهبونه والقتال واقع بينكم، أليس قتلكم البنات إفسادا وقطعا للرحم؟ فلا يصح تعللكم بذلك مع أنه خلاف ما أمر اللّه وهذا طاعة وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في استعمال عسى ثلاثة مذاهب أحدها : الإتيان بها على صورة فعل ماض معه فاعل تقول عسى زيد وعسينا وعسوا وعسيت وعسيتما وعسيتم وعست وعستا والثاني : أن يؤتى بها على صورة فعل معه مفعول تقول عساه وعساهما وعساك وعساكما وعساي وعسانا. والثالث : الإتيان بها من غير أن يقرن بها شيء تقول عسى زيد يخرج وعسى أنت تخرج وعسى أنا أخرج والكل له وجه وما عليه كلام اللّه أوجه، وذلك لأن عسى من الأفعال الجامدة واقتران الفاعل بالفعل أولى من اقتران المفعول لأن الفاعل كالجزء من الفعل ولهذا لم يجز فيه أربع متحركات في مثل قول القائل نصرت وجوز في مثل قولهم نصرك ولأن كل فعل له فاعل سواء كان لازما أو متعديا ولا كذلك المفعول به، فعسيت وعساك كعصيت وعصاك في اقتران الفاعل بالفعل / والمفعول به، وأما قول من قال عسى أنت تقوم وعسى أن أقوم فدون ما ذكرنا للتطويل الذي فيه.
المسألة الثانية : الاستفهام للتقرير المؤكد، فإنه لو قال على سبيل الإخبار عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ لكان للمخاطب أن ينكره فإذا قال بصيغة الاستفهام كأنه يقول أنا أسألك عن هذا وأنت لا تقدر أن تجيب إلا بلا أو نعم، فهو مقرر عندك وعندي.
المسألة الثالثة : عسى للتوقيع واللّه تعالى عالم بكل شيء فنقول فيه ما قلنا في لعل، وفي قوله لِنَبْلُوَهُمْ [الكهف : ٧] إن بعض الناس قال يفعل بكم فعل المترجي والمبتلي والمتوقع، وقال آخرون كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك ونحن قلنا محمول على الحقيقة وذلك لأن الفعل إذا كان ممكنا في نفسه فالنظر إليه غير مستلزم لأمر، وإنما الأمر يجوز أن يحصل منه تارة ولا يحصل منه أخرى فيكون الفعل لذلك الأمر المطلوب على سبيل الترجي سواء كان الفاعل يعلم حصول الأمر منه وسواء أن لم يكن يعلم، مثاله من نصب شبكة لاصطياد الصيد يقال هو متوقع لذلك فإن حصل له العلم بوقوعه فيه بإخبار صادق أنه سيقع فيه أو بطريق أخرى لا يخرج عن التوقع، غاية ما في الباب أن في الشاهد لم يحصل لنا العلم فيما نتوقعه فيظن أن عدم العلم لازم للمتوقع، وليس كذلك بل المتوقع هو المنتظر لأمر ليس بواجب الوقوع نظرا ذلك الأمر فحسب سواء كان له به علم أو لم يكن وقوله إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فيه وجهان : أحدهما : أنه من الولاية يعني إن أخذتم الولاية وصار الناس بأمركم أفسدتم وقطعتم الأرحام وثانيهما : هو من التولي الذي هو الإعراض وهذا مناسب لما ذكرنا، أي كنتم


الصفحة التالية
Icon