مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٦٠
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣١]
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١)
أي لنأمرنكم بما لا يكون متعينا للوقوع، بل بما يحتمل الوقوع ويحتمل عدم الوقوع كما يفعل المختبر، وقوله تعالى : حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ أي نعلم المجاهدين من غير المجاهدين ويدخل في علم الشهادة فإنه تعالى قد علمه علم الغيب وقد ذكرنا ما هو التحقيق في الابتلاء، وفي قوله حَتَّى نَعْلَمَ وقوله الْمُجاهِدِينَ أي المقدمين على الجهاد وَالصَّابِرِينَ أي الثابتين الذين لا يولون الأدبار وقوله وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ يحتمل وجوها أحدها : قوله آمَنَّا [البقرة : ٨] لأن المنافق وجد منه هذا الخبر / والمؤمن وجد منه ذلك أيضا، وبالجهاد يعلم الصادق من الكاذب، كما قال تعالى : أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، [الحجرات : ١٥] وثانيها :
إخبارهم من عدم التولية في قوله وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ [الأحزاب : ١٥] إلى غير ذلك، فالمؤمن وفى بعهده وقاتل مع أصحابه في سبيل اللّه كأنهم بنيان مرصوص والمنافق كان كالهباء ينزعج بأدنى صيحة وثالثها : المؤمن كان له أخبار صادقة مسموعة من النبي عليه السلام كقوله تعالى : لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [الفتح : ٢٧]، لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة : ٢١]، ونَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ
[الصافات : ١٧٣] وللمنافق أخبار أراجيف كما قال تعالى في حقهم وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ [الأحزاب : ٦٠] فعند تحقق الإيجاف، يتبين الصدق من الإرجاف. ثم قال تعالى :
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٢]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢)
وفيه وجهان أحدهما : هم أهل الكتاب قريظة والنضير والثاني : كفار قريش يدل على الأول قوله تعالى :
مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى قيل أهل الكتاب تبين لهم صدق محمد عليه السلام، وقوله لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً تهديد معناه هم يظنون أن ذلك الشقاق مع الرسول وهم به يشاقونه وليس كذلك، بل الشقاق مع اللّه فإن محمدا رسول اللّه ما عليه إلا البلاغ فإن ضروا يضروا الرسل لكن اللّه منزه عن أن يتضرر بكفر كافر وفسق فاسق، وقوله وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ قد علم معناه. فإن قيل قد تقدم في أول السورة أن اللّه تعالى أحبط أعمالهم فكيف يحبط في المستقبل؟ فنقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن المراد من قوله الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [محمد : ١] في أول السورة المشركون، ومن أول الأمر كانوا مبطلين، وأعمالهم كانت على غير شريعة، والمراد من الذين كفروا هاهنا أهل الكتاب وكانت لهم أعمال قبل الرسول فأحبطها اللّه تعالى بسبب تكذيبهم الرسول ولا ينفعهم إيمانهم بالحشر والرسل والتوحيد، والكافر المشرك أحبط عمله حيث لم يكن على شرع أصلا ولا كان معترفا بالحشر الثاني : هو أن المراد بالأعمال هاهنا مكايدهم في القتال وذلك في تحقق منهم واللّه سيبطله حيث يكون النصر للمؤمنين، والمراد بالأعمال في أول السورة هو ما ظنوه حسنة. ثم قال تعالى :
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣)
العطف هاهنا من باب عطف المسبب على السبب يقال اجلس واسترح وقم وامش لأن طاعة / اللّه تحمل على طاعة الرسول، وهذا إشارة إلى العمل بعد حصول العلم، كأنه تعالى قال : يا أيها الذين آمنوا علمتم الحق


الصفحة التالية
Icon