مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٧٠
كان يتوهم لأن إدخال المؤمنين كان للقتال، والمرأة لا تقاتل فلا تدخل الجنة الموعود بها صرح اللّه بذكرهن، وكذلك في المنافقات والمشركات، والمنافقة والمشركة لم تقاتل فلا تعذب فصرّح اللّه تعالى بذكرهن، وكذلك في قوله تعالى : إِنَّ / الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [الأحزاب : ٣٥] لأن الموضع موضع ذكر النساء وأحوالهن لقوله وَلا تَبَرَّجْنَ... وَأَقِمْنَ... وَآتِينَ... وَأَطِعْنَ [الأحزاب : ٣٣] وقوله وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب : ٣٤] فكان ذكرهن هناك أصلا، لكن الرجال لما كان لهم ما للنساء من الأجر العظيم ذكرهم وذكرهن بلفظ مفرد من غير تبعية لما بينا أن الأصل ذكرهن في ذلك الموضع.
المسألة الثالثة : قال اللّه تعالى : وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ بعد ذكر الإدخال مع أن تكفير السيئات قبل الإدخال؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : الواو لا تقتضي الترتيب الثاني : تكفر السيئات والمغفرة وغيرهما من توابع كون المكلف من أهل الجنة، فقدم الإدخال في الذكر بمعنى أنه من أهل الجنة الثالث : وهو أن التكفير يكون بإلباس خلع الكرامة وهي في الجنة، وكان الإنسان في الجنة تزال عنه قبائح البشرية الجرمية كالفضلات، والمعنوية كالغضب والشهوة وهو التكفير وتثبت فيه الصفات الملكية وهي أشرف أنواع الخلع، وقوله تعالى : وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً فيه وجهان أحدهما : مشهور وهو أن الإدخال والتكفير في اللّه فوز عظيم، يقال عندي هذا الأمر على هذا الوجه، أي في اعتقادي وثانيهما : أغرب منه وأقرب منه عقلا، وهو أن يجعل عند اللّه كالوصف لذلك كأنه تعالى يقول ذلك عند اللّه، أي بشرط أن يكون عند اللّه تعالى ويوصف أن يكون عند اللّه فوز عظيم حتى أن دخول الجنة لو لم يكن فيه قرب من اللّه بالعندية لما كان فوزا ثم قال تعالى :
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٦ إلى ٧]
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧)
واعلم أنه قدم المنافقين على المشركين في الذكر في كثير من المواضع لأمور أحدها : أنهم كانوا أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر وكان يخالط المنافق لظنه بإيمانه، وهو كان يفشي أسراره، وإلى هذا أشار النبي صلى اللّه عليه وسلم
بقوله :«أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك»
والمنافق على صورة الشيطان فإنه لا يأتي الإنسان على أني عدوك، وإنما / يأتيه على أني صديقك، والمجاهر على خلاف الشيطان من وجه، ولأن المنافق كان يظن أن يتخلص للمخادعة، والكافر لا يقطع بأن المؤمن إن غلب يفديه، فأول ما أخبر اللّه أخبر عن المنافق وقول الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ هذا الظن يحتمل وجوها أحدها : هو الظن الذي ذكره اللّه في هذه السورة بقوله بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ [الفتح : ١٢] ثانيها : ظن المشركين باللّه في الإشراك كما قال تعالى : إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ إلى أن قال : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [النجم : ٢٣- ٢٨] ثالثها : ظنهم أن اللّه لا يرى ولا يعلم كما قال : وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت : ٢٢] والأول أصح أو نقول المراد جميع ظنونهم حتى يدخل فيه ظنهم الذي ظنوا أن اللّه لا يحيي الموتى، وأن العالم خلقه باطل، كما قال تعالى : ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [ص : ٢٧] ويؤيد هذا الوجه الألف واللام الذي في السوء وسنذكره في قوله ظَنَّ السَّوْءِ وفيه وجوه أحدها :


الصفحة التالية
Icon