مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٨٢
يعني كان اللّه يرى فيه من المصلحة، وإن كنتم لا ترون ذلك، وبينه بقوله تعالى : هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً إلى أن قال : وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ [الفتح : ٢٥] يعني كان الكف محافظة على ما في مكة من المسلمين ليخرجوا منها، ويدخلوها على وجه لا يكون فيه إيذاء من فيها من المؤمنين والمؤمنات، واختلف المفسرون في ذلك الكف منهم من قال المراد ما كان عام الفتح، ومنهم من قال ما كان عام الحديبية، فإن المسلمين هزموا جيش الكفار حتى أدخلوهم بيوتهم، وقيل إن الحرب كان بالحجارة.
[سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٥]
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥)
وقوله تعالى : هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ.
إشارة إلى أن الكف لم يكن لأمر فيهم لأنهم كفروا وصدوا وأحصروا، وكل ذلك يقتضي قتالهم، فلا يقع لأحد أن الفريقين اتفقوا، ولم يبق بينهما خلاف واصطلحوا، ولم يبق بينهما نزاع، بل الاختلاف باق والنزاع مستمر، لأنهم هم الذين كفروا وصدوكم ومنعوا فازدادوا كفرا وعداوة، وإنما ذلك للرجال المؤمنين والنساء المؤمنات، وقوله وَالْهَدْيَ منصوب على العطف على كم في صَدُّوكُمْ ويجوز الجر عطفا على المسجد، أي وعن الهدي. ومَعْكُوفاً حال وأَنْ يَبْلُغَ تقديره على أن يبلغ، ويحتمل أن يقال أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ رفع، تقديره معكوفا بلوغه محله، كما يقال : رأيت زيدا شديدا بأسه، ومعكوفا، أي ممنوعا، ولا يحتاج إلى تقدير عن على هذا الوجه.
وقوله تعالى : وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
وصف الرجال والنساء، يعني لولا رجال ونساء يؤمنون غير معلومين، وقوله تعالى : أَنْ تَطَؤُهُمْ بدل اشتمال، كأنه قال : رجال غير معلومي الوطء فتصيبكم منهم معرة عيب أو إثم، وذلك لأنكم ربما تقتلونهم.
فتلزمكم الكفارة وهي دليل الإثم، أو يعيبكم الكفار بأنهم فعلوا بإخوانهم ما فعلوا بأعدائهم، وقوله تعالى :
بِغَيْرِ عِلْمٍ قال الزمخشري : هو متعلق بقوله أَنْ تَطَؤُهُمْ يعني تطئوهم بغير علم، وجاز أن يكون بدلا عن الضمير المنصوب في قوله لَمْ تَعْلَمُوهُمْ ولقائل أن يقول : يكون هذا تكرارا، لأن على قولنا هو بدل من الضمير يكون التقدير : لم تعلموا أن تطئوهم بغير علم، فيلزم تكرار بغير علم لحصوله بقوله لَمْ تَعْلَمُوهُمْ فالأولى أن يقال بِغَيْرِ عِلْمٍ هو في موضعه تقديره : لم تعلموا أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم، من يعركم ويعيب عليكم، يعني إن وطأتموهم غير عالمين يصبكم مسبة الكفار بِغَيْرِ عِلْمٍ أي بجهل لا يعلمون أنكم معذورون فيه، أو نقول تقديره : لم تعلموا أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم، أي فتقتلوهم بغير علم، أو تؤذوهم بغير علم، فيكون الوطء سبب القتل، والوطء غير معلوم لكم، والقتل الذي هو بسبب المعرة وهو الوطء الذي يحصل بغير علم. أو نقول : المعرة قسمان أحدهما : ما يحصل من القتل العمد ممن هو غير


الصفحة التالية
Icon