مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٨٨
تأكيدا لبيان صدق اللّه في رسوله الرؤيا، وذلك لأنه لما كان مرسلا لرسوله ليهدي، لا يريد ما لا يكون مهديا للناس فيظهر خلافه، فيقع ذلك سببا للضلال، ويحتمل وجوها أقوى من ذلك، وهو أن الرؤيا بحيث توافق الواقع تقع لغير الرسل، لكن رؤية الأشياء قبل وقوعها في اليقظة لا تقع لكل أحد فقال تعالى : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وحكى له ما سيكون في اليقظة، ولا يبعد من أن يريه في المنام ما يقع فلا استبعاد في صدق رؤياه، وفيها أيضا بيان وقوع الفتح ودخول مكة بقوله تعالى : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي من يقويه على الأديان لا يستبعد منه فتح مكة له و(الهدى) يحتمل أن يكون هو القرآن كما قال تعالى : أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ [البقرة : ١٨٥] وعلى هذا دِينِ الْحَقِّ هو ما فيه من الأصول والفروع، ويحتمل أن يكون الهدى هو المعجزة أي أرسله بالحق أي مع الحق إشارة إلى ما شرع، ويحتمل أن يكون الهدى هو الأصول ودِينِ الْحَقِّ هو الأحكام، وذلك لأن من الرسل من لم يكن له أحكام بل بين الأصول فحسب، والألف واللام في الهدى يحتمل أن تكون للاستغراق أي كل ما هو هدي، ويحتمل أن تكون للعهد وهو قوله تعالى :
ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ [الزمر : ٢٣] وهو إما القرآن لقوله تعالى : كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ إلى أن قال : ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ [الزمر : ٢٣] وإما ما اتفق عليه الرسل لقوله تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام : ٩٠] والكل من باب واحد لأن ما في القرآن موافق لما اتفق / عليه الأنبياء وقوله تعالى : وَدِينِ الْحَقِّ يحتمل وجوها : أحدها : أن يكون الحق اسم اللّه تعالى فيكون كأنه قال :
بالهدى ودين اللّه، وثانيها : أن يكون الحق نقيض الباطل فيكون كأنه قال : ودين الأمر الحق وثالثها : أن يكون المراد به الانقياد إلى الحق والتزامه لِيُظْهِرَهُ أي أرسله بالهدى وهو المعجز على أحد الوجوه لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي جنس الدين، فينسخ الأديان دون دينه، وأكثر المفسرين على أن الهاء في قوله لِيُظْهِرَهُ راجعة إلى الرسول، والأظهر أنه راجع إلى دين الحق أي أرسل الرسول بالدين الحق ليظهره أي ليظهر الدين الحق على الأديان، وعلى هذا فيحتمل أن يكون الفاعل للاظهار هو اللّه، ويحتمل أن يكون هو النبي أي ليظهر النبي دين الحق، وقوله تعالى : وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً أي في أنه رسول اللّه وهذا مما يسلي قلب المؤمنين فإنهم تأذوا من رد الكفار عليهم العهد المكتوب، وقالوا لا نعلم أنه رسول اللّه فلا تكتبوا محمد رسول اللّه بل اكتبوا محمد بن عبد اللّه، فقال تعالى : وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً في أنه رسول اللّه، وفيه معنى لطيف وهو أن قول اللّه مع أنه كاف في كل شيء، لكنه في الرسالة أظهر كفاية، لأن الرسول لا يكون إلا بقول المرسل، فإذا قال ملك هذا رسولي، لو أنكر كل من في الدنيا أنه رسول فلا يفيد إنكارهم فقال تعالى أي خلل في رسالته بإنكارهم مع تصديقي إياه بأنه رسولي، وقوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فيه وجوه أحدها : خبر مبتدأ محذوف تقديره هو محمد الذي سبق ذكره بقوله أَرْسَلَ رَسُولَهُ ورسول اللّه عطف بيان وثانيها : أن محمدا مبتدأ خبره رسول اللّه وهذا تأكيد لما تقدم لأنه لما قال : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ولا تتوقف رسالته إلا على شهادته، وقد شهد له بها محمد رسول اللّه من غير نكير وثالثها : وهو مستنبط وهو أن يقال مُحَمَّدٌ مبتدأ ورَسُولُ اللَّهِ عطف بيان سيق للمدح لا للتمييز وَالَّذِينَ مَعَهُ عطف على محمد، وقوله أَشِدَّاءُ خبره، كأنه تعالى قال : وَالَّذِينَ مَعَهُ
جميعهم أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ لأن وصف الشدة والرحمة وجد في جميعهم، أما في المؤمنين فكما في قوله تعالى :
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [المائدة : ٥٤] وأما في حق النبي صلى اللّه عليه وسلم فكما في قوله وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ


الصفحة التالية
Icon