مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٢٩٤
ضاربة وضاربات ولم يجمع اللفظ أولا لأنثى ولا لذكر، ولهذا لم يحسن أن يقال : ضرب هند، وحسن بالإجماع ضرب قوم والمسلمون.
المسألة الثانية : لما قال تعالى : كَذَّبَتْ ما الفائدة في قوله تعالى : فَكَذَّبُوا عَبْدَنا؟ نقول : الجواب عنه من وجوه الأول : أن قوله : كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ أي بآياتنا وآية الانشقاق فكذبوا الثاني : كذبت قوم نوح الرسل وقالوا : لم يبعث اللّه رسولا وكذبوهم في التوحيد : فكذبوا عبدنا كما كذبوا غيره وذلك لأن قوم نوح مشركون يعبدون الأصنام ومن يعبد الأصنام يكذب كل رسول وينكر الرسالة لأنه يقول : لا تعلق للّه بالعالم السفلي وإنما أمره إلى الكواكب فكان مذهبهم التكذيب فكذبوا الثالث : قوله تعالى : فَكَذَّبُوا عَبْدَنا للتصديق والرد عليهم تقديره : كذبت قوم نوح وكان تكذيبهم عبدنا أي لم يكن تكذيبا بحق كما يقول القائل : كذبني فكذب صادقا.
المسألة الثالثة : كثيرا ما يخص اللّه الصالحين بالإضافة إلى نفسه كما في قوله تعالى : إِنَّ عِبادِي [الحجر : ٤٢] يا عِبادِيَ
[العنكبوت : ٥٦] وَاذْكُرْ عَبْدَنا [ص : ١٧] إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا [يوسف : ٢٤] وكل واحد عبده فما السر فيه؟ نقول : الجواب عنه من وجوه الأول : ما قيل : في المشهور أن الإضافة إليه تشريف منه فمن خصصه بكونه عبده شرف وهذا كقوله تعالى : أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ [البقرة : ١٢٥] وقوله تعالى :
ناقَةُ اللَّهِ [الأعراف : ٧٣] الثاني : المراد من عبدنا أي الذي عبدنا فالكل عباد لأنهم مخلوقون للعبادة لقوله :
وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : ٥٦] لكن منهم من عبد فحقق المقصود فصار عبده، ويؤيد هذا قوله تعالى : كُونُوا عِباداً لِي [آل عمران : ٧٩] أي حققوا المقصود الثالث : الإضافة تفيد الحصر فمعنى عبدنا هو الذي لم يقل : بمعبود سوانا، ومن اتبع هواه فقد اتخذ إلها فالعبد المضاف هو الذي بكليته في كل وقت للّه فأكله وشربه وجميع أموره لوجه اللّه تعالى وقليل ما هم.
المسألة الرابعة : ما الفائدة في اختيار لفظ العبد مع أنه لو قال رسولنا لكان أدل على قبح فعلهم؟ نقول :
قوله عبدنا أدل على صدقه وقبح تكذيبهم من قوله رسولنا لو قاله لأن العبد أقل تحريفا لكلام السيد من الرسول، فيكون كقوله تعالى : وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة : ٤٤- ٤٦].
المسألة الخامسة : قوله تعالى وَقالُوا مَجْنُونٌ إشارة إلى أنه أتى بالآيات الدالة على صدقه حيث رأوا ما عجزوا منه، وقالوا : هو مصاب الجن أو هو لزيادة بيان قبح صنعهم حيث لم يقنعوا بقولهم إنه كاذب، بل قالوا مجنون، أي يقول مالا يقبله عاقل، والكاذب العاقل يقول ما يظن به أنه صادق فقالوا : مجنون أي يقول ما لم يقل به عاقل فبين مبالغتهم في التكذيب.
المسألة السادسة : وَازْدُجِرَ إخبار من اللّه تعالى أو حكاية قولهم، نقول : فيه خلاف منهم من قال :
إخبار من اللّه تعالى وهو عطف على كذبوا، وقالوا : أي هم كذبوا وهو ازدجر أي أوذي وزجر، وهو كقوله تعالى : كُذِّبُوا وَأُوذُوا [الأنعام : ٣٤] وعلى هذا إن قيل : لو قال كذبوا عبدنا وزجروه / كان الكلام أكثر مناسبة، نقول : لا بل هذا أبلغ لأن المقصود تقوية قلب النبي صلى اللّه عليه وسلم بذكر من تقدمه فقال : وازدجر أي فعلوا ما يوجب الانزجار من دعائهم حتى ترك دعوتهم وعدل عن الدعاء إلى الإيمان إلى الدعاء عليهم، ولو قال :


الصفحة التالية
Icon