مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣٠١
أو متعظ على ما فسرنا به قوله تعالى : يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ وقوله : فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وعلى قولنا المراد متذكر إشارة إلى ظهور الأمر فكأنه لا يحتاج إلى نكر، بل هو أمر حاصل عنده لا يحتاج إلى معاودة ما عند غيره. ثم قال تعالى :
[سورة القمر (٥٤) : آية ١٨]
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨)
وفيه مسائل :
الأولى : قال في قوم نوح : كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ [الشعراء : ١٠٥] ولم يقل في عاد كذبت قوم هود وذلك لأن التعريف كلما أمكن أن يؤتى به على وجه أبلغ فالأولى أن يؤتى به والتعريف بالاسم العلم أولى من التعريف بالإضافة إليه، فإنك إذا قلت : بيت اللّه لا يفيد ما يفيد قولك الكعبة، فكذلك إذا قلت : رسول اللّه لا يفيد ما يفيد قولك محمد فعاد اسم علم للقوم لا يقال قوم هود أعرف لوجهين أحدهما : أن اللّه تعالى وصف عادا بقوم هود حيث قال : أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ [هود : ٦٠] ولا يوصف الأظهر بالأخفى والأخص بالأعم ثانيهما : أن قوم هود واحد وعاد، قيل : أنه لفظ يقع على أقوام ولهذا قال تعالى : عاداً الْأُولى [النجم : ٥٠] لأنا نقول : أما قوله تعالى : لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ [هود : ٦٠] فليس ذلك صفة وإنما هو بدل ويجوز في البدل أن يكون دون المبدل في المعرفة، ويجوز أن يبدل عن المعرفة بالنكرة، وأما عادا الأولى فقد قدمنا أن ذلك لبيان تقدمهم أي عادا الذين تقدموا وليس ذلك للتمييز والتعريف كما تقول محمد النبي شفيعي واللّه الكريم ربي ورب الكعبة المشرفة لبيان الشرف لا لبيانها وتعريفها كما تقول : دخلت الدار المعمورة من الدارين وخدمت الرجل الزاهد من الرجلين فتبين المقصود بالوصف.
المسألة الثانية : لم يقل كذبوا هودا كما قال : فَكَذَّبُوا عَبْدَنا [القمر : ٩] وذلك لوجهين أحدهما : أن تكذيب نوح كان أبلغ وأشد حيث دعاهم قريبا من ألف سنة وأصروا على التكذيب، ولهذا ذكر اللّه تعالى تكذيب نوح في مواضع ولم يذكر تكذيب غير نوح صريحا وإن نبه عليه [في ] واحد منها في الأعراف قال : فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ [الأعراف : ٦٤] وقال حكاية عن نوح : قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ [الشعراء : ١١٧] وقال : إِنَّهُمْ عَصَوْنِي [نوح : ٢١] وفي هذه المواضع لم يصرح بتكذيب قوم غيره منهم إلا قليلا ولذلك قال تعالى في مواضع ذكر شعيب فكذبوه : وقال الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً [الأعراف : ٩٢] وقال تعالى عن قومه : وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ [الأعراف : ٦٦] لأنه دعا قومه زمانا مديداو ثانيهما : أن حكاية عاد مذكورة هاهنا على سبيل الاختصار فلم يذكر إلا تكذيبهم وتعذيبهم فقال : كَذَّبَتْ عادٌ كما قال : كَذَّبَتْ (قَبْلَهُمْ) قَوْمُ نُوحٍ ولم يذكر دعاءه عليهم وإجابته كما قال في نوح.
المسألة الثالثة : قال تعالى : فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ قبل أن بين العذاب وفي حكاية نوح بين العذاب، ثم قال : فَكَيْفَ كانَ فما الحكمة فيه؟ نقول : الاستفهام الذي ذكره في حكاية نوح / مذكور هاهنا، وهو قوله تعالى : فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ كما قال من قبل ومن بعد في حكاية ثمود غير أنه تعالى حكى في حكاية عاد فَكَيْفَ كانَ مرتين، المرة الأولى استفهم ليبين كما يقول المعلم لمن لا يعرف كيف المسألة الفلانية ليصير المسئول سائلا، فيقول : كيف هي فيقول إنها كذا وكذا فكذلك هاهنا قال : كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي فقال


الصفحة التالية
Icon