مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣١٣
الحجارة قال اللّه تعالى : وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر : ٧٤] وقال تعالى عن الملائكة :
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ [الذاريات : ٣٣] فالمرسل عليهم ليس بحاصب فكيف الجواب عنه؟ نقول :
الجواب من وجوه الأول : أرسلنا عليهم ريحا حاصبا بالحجارة التي هي الحصباء وكثر استعمال الحاصب في الريح الشديدة فأقام الصفة مقام الموصوف، فإن قيل : هذا ضعيف من حيث اللفظ والمعنى، أما اللفظ فلأن الريح مؤنثة قال تعالى : بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ [الحاقة : ٦]، بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يونس : ٢٢] وقال تعالى :
فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ [ص : ٣٦] وقال تعالى : غُدُوُّها شَهْرٌ [سبأ : ١٢] وقال تعالى في :
[وَ أَرْسَلْنَا] الرِّياحَ لَواقِحَ [الحجر : ٢٢] وما قال لقاحا ولا لقحة، وأما المعنى فلأن اللّه تعالى بين أنه أرسل عليهم حجارة من سجيل مسومة عليها علامة كل واحد وهي لا تسمى حصباء، وكان ذلك بأيدي الملائكة لا بالريح، نقول : تأنيث الريح ليس حقيقة ولها أصناف الغالب فيها التذكير كالإعصار، قال تعالى : فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ [البقرة : ٢٦٦] فلما كان حاصب حجارة كان كالذي فيه نار، وأما قوله : كان الرمي بالسجيل لا بالحصباء، وبأيدي الملائكة لا بالريح، فنقول : كل ريح يرمي بحجارة يسمى حاصبا، وكيف لا والسحاب الذي يأتي بالبرد يسمى حاصبا تشبيها للبرد بالحصباء، فكيف لا يقال في السجيل. وأما الملائكة فإنهم حركوا الريح وهي حصبت الحجارة عليهم الجواب الثاني : المراد عذاب حاصب وهذا أقرب لتناوله الملك والحساب والريح وكل ما يفرض الجواب الثالث : قوله : حاصِباً هو أقرب من الكل لأن قوله : إِنَّا أَرْسَلْنا يدل على مرسل هو مرسل الحجارة وحاصبها، فإن قيل : كان ينبغي أن يقول حاصبين، نقول لما لم يذكر الموصوف رجح جانب اللفظ كأنه قال شيئا حاصبا إذ المقصود بيان جنس العذاب لا بيان من على يده العذاب، وهذا وارد على من قال : الريح مؤنث لأن ترك التأنيث هناك كترك علامة الجمع هنا.
المسألة الثانية : ما رتب الإرسال على التكذيب بالفاء فلم يقل : كذبت قوم لوط بالنذر فأرسلنا كما قال :
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ [القمر : ١١] لأن الحكاية مسوقة على مساق ما تقدم من الحكايات، فكأنه قال :
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ [القمر : ٣٠] كما قال من قبل ثم قيل : لا علم لنا به وإنما أنت العليم فأخبرنا، فقال :
إِنَّا أَرْسَلْنا.
المسألة الثالثة : ما الحكمة في ترك العذاب حيث لم يقل : فَكَيْفَ كانَ عَذابِي كما قال في الحكايات الثلاث، نقول : لأن التكرار ثلاث مرات بالغ، ولهذا
قال صلى اللّه عليه وسلم :«ألا هل بلغت ثلاثا»
وقال :«فنكاحها باطل باطل باطل»
والإذكار تكرر ثلاث مرات فبثلاث مرار حصل التأكيد وقد بينا أنه تعالى ذكر : فَكَيْفَ كانَ عَذابِي في حكاية نوح للتعظيم وفي حكاية ثمود للبيان وفي حكاية عاد أعادها مرتين للتعظيم والبيان جميعا واعلم أنه تعالى ذكر : فَكَيْفَ كانَ عَذابِي في ثلاث حكايات أربع مرات فالمرة الواحدة للإنذار، والمرات الثلاث للإذكار، لأن المقصود حصل بالمرة الواحدة، وقوله تعالى : فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [الرحمن : ١٣] ذكره مرة للبيان وأعادها ثلاثين مرة غير المرة الأولى كما أعاد : فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ثلاث مرات غير المرة / الأولى فكان ذكر الآلاء عشرة أمثال ذكر العذاب إشارة إلى الرحمة التي قال في بيانها مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها [الأنعام : ١٦٠] وسنبين ذلك في سورة : الرحمن.
المسألة الرابعة : إِلَّا آلَ لُوطٍ استثناء مما ذا؟ إن كان من الذين قال فيهم : إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً


الصفحة التالية
Icon