مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣١٧
بالفاء فلا تقول : وبالفاء فإنه ربما يقول : كنتم تكذبون فذوقوا.
المسألة الرابعة : النذر كيف يذاق؟ نقول : معناه ذق فعلك أي مجازاة فعلك وموجبه ويقال : ذق الألم على فعلك وقوله : فَذُوقُوا عَذابِي كقولهم : ذق الألم، وقوله : وَنُذُرِ كقولهم ذق فعلك أي ذق ما لزم من إنذاري، فإن قيل : فعلى هذا لا يصح العطف لأن قوله : فَذُوقُوا عَذابِي وما لزم من إنذاري وهو العذاب يكون كقول القائل : ذوقوا عذابي وعذابي؟ نقول : قوله تعالى : فَذُوقُوا عَذابِي أي العاجل منه، وما لزم من إنذاري وهو العذاب الآجل، لأن الإنذار كان به على ما تقدم بيانه، فكأنه قال : ذوقوا عذابي العاجل وعذابي الآجل، فإن قيل : هما لم يكونا في زمان واحد، فكيف يقال : ذوقوا، نقول : العذاب الآجل أوله متصل بآخر العذاب العاجل، فهما كالواقع في زمان واحد وهو كقوله تعالى : أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً [نوح : ٢٥]. / ثم قال تعالى :
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٨]
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨)
أي العذاب الذي عم القوم بعد الخاص الذي طمس أعين البعض، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : صَبَّحَهُمْ فيه دلالة على الصبح، فما معنى : بُكْرَةً؟ نقول : فائدته تبيين انطراقه فيه، فقوله : بُكْرَةً يحتمل وجهين أحدهما : أنها منصوبة على أنها ظرف، ومثله نقوله في قوله تعالى :
أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء : ١] وفيه بحث، وهو أن الزمخشري قال : ما الفائدة في قوله : لَيْلًا وقال :
جوابا في التنكير دلالة على أنه كان في بعض الليل، وتمسك بقراءة من قرأ : من الليل وهو غير ظاهر، والأظهر فيه أن يقال : بأن الوقت المبهم يذكر لبيان أن تعيين الوقت ليس بمقصود المتكلم وأنه لا يريد بيانه، كما يقول : خرجنا في بعض الأوقات، مع أن الخروج لا بد من أن يكون في بعض الأوقات، فإنه لا يريد بيان الوقت المعين، ولو قال : خرجنا، فربما يقول السامع : متى خرجتم، فإذا قال : في بعض الأوقات أشار إلى أن غرضه بيان الخروج لا تعيين وقته، فكذلك قوله تعالى : صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً أي بكرة من البكر وأَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا أي ليلا من الليالي فلا أبينه، فإن المقصود نفس الإسراء، ولو قال : أسرى بعبده من المسجد الحرام، لكان للسامع أن يقول : أيما ليلة؟ فإذا قال : ليلة من الليالي قطع سؤاله وصار كأنه قال : لا أبينه، وإن كان القائل ممن يجوز عليه الجهل، فإنه يقول : لا أعلم الوقت، فهذا أقرب فإذا علمت هذا في أسرى ليلا، فاعلم مثله في : صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً ويحتمل أن يقال : على هذا الوجه : صَبَّحَهُمْ بمعنى قال لهم : عموا صباحا استهزاء بهم، كما قال : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران : ٢١] فكأنه قال : جاءهم العذاب بكرة كالمصبح، والأول أصح، ويحتمل في قوله تعالى : صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً على قولنا : إنها منصوبة على الظرف ما لا يحتمله قوله تعالى :
أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وهو أن : صَبَّحَهُمْ معناه أتاهم وقت الصبح، لكن التصبيح يطلق على الإتيان في أزمنة كثيرة من أول الصبح إلى ما بعد الإسفار، فإذا قال : بُكْرَةً أفاد أنه كان أول جزء منه، وما أخر إلى الإسفار، وهذا أوجه وأليق، لأن اللّه تعالى أوعدهم به وقت الصبح، بقوله : إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ [هود : ٨١] وكان من الواجب بحكم الإخبار تحققه بمجيء العذاب في أول الصبح، ومجرد قراءة : صَبَّحَهُمْ ما كان يفيد ذلك، وهذا أقوى لأنك تقول : صبيحة أمس بكرة واليوم بكرة، فيأتي فيه ما ذكرنا من أن المراد بكرة من البكر الوجه الثاني : أنها منصوبة على المصدر من باب ضربته سوطا ضربا فإن المنصوب في ضربته ضربا على المصدر، وقد


الصفحة التالية
Icon