مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣٥٨
المسألة الأولى : ماذا يسأله السائلون؟ فنقول : يحتمل وجوها أحدها : أنه سؤال استعطاء فيسأله كل أحد الرحمة وما يحتاج إليه في دينه ودنياه ثانيها : أنه سؤال استعلام أي عنده علم الغيب لا يعلمه إلا هو، فكل أحد يسأله عن عاقبة أمره وعما فيه صلاحه وفساده. فإن قيل : ليس كل أحد يعترف بجهله وعلم اللّه نقول : هذا كلام في حقيقة الأمر من جاهل، فإن كان من جاهل معاند فهو في الوجه الأول أيضا وارد، فإن من المعاندين من لا يعترف بقدرة اللّه فلا يسأله شيئا بلسانه وإن كان يسأله بلسان حاله لإمكانه، والوجه الأول إشارة إلى كمال القدرة أي كل أحد عاجز عن تحصيل ما يحتاج إليه. والوجه الثاني إشارة إلى كمال العلم أي كل أحد جاهل بما عند اللّه من المعلومات ثالثها : أن ذلك سؤال استخراج، أمر. وقوله : مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي من الملائكة يسألونه كل يوم ويقولون : إلهنا ماذا نفعل وبما ذا تأمرنا، وهذا يصلح جوابا آخر عن الإشكال على قول من قال :
يسأله حال لأنه يقول : قال تعالى : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرحمن : ٢٦] ومن عليها تكون الأرض مكانه ومعتمده ولو لاها لا يعيش وأما من فيها من الملائكة الأرضية فهم فيها وليسوا عليها ولا تضرهم زلزلتها، فعند ما يفنى من عليها ويبقى اللّه تعالى لا يفنى هؤلاء في تلك الحال فيسألونه ويقولون : ماذا نفعل فيأمرهم بما يأمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ثم يقول لهم : عند ما يشاء موتوا فيموتوا هذا على قول من قال : يَسْئَلُهُ حال وعلى الوجه الآخر لا إشكال.
المسألة الثانية : هو عائد إلى من؟ نقول : الظاهر المشهور أنه عائد إلى اللّه تعالى وعليه اتفاق المفسرين، ويدل عليه ما
روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه سئل عن ذلك الشأن فقال :«يغفر / ذنبا ويفرج كربا، ويرفع من يشاء ويضع من يشاء»
ويحتمل أن يقال : هو عائد إلى يوم وكُلَّ يَوْمٍ ظرف سؤالهم أي يقع سؤالهم في كل يوم وهو في شأن يكون جملة وصف بها يوم وهو نكرة كما يقال : يسألني فلان كل يوم هو يوم راحتي أي يسألني أيام الراحة، وقوله : هُوَ فِي شَأْنٍ يكون صفة مميزة للأيام التي فيها شأن عن اليوم الذي قال تعالى فيه : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر : ١٦] فإنه تعالى في ذلك اليوم يكون هو السائل وهو المجيب، ولا يسأل في ذلك اليوم لأنه ليس يوما هو في شأن يتعلق بالسائلين من الناس والملائكة وغيرهم، وإنما يسألونه في يوم هو في شأن يتعلق بهم فيطلبون ما يحتاجون إليه أو يستخرجون أمره بما يفعلون فيه، فإن قيل : فهذا ينافي ما ورد في الخبر، نقول : لا منافاة
لقوله عليه السلام في جواب من قال : ما هذا الشأن؟ فقال :«يغفر ذنبا [و يفرج كربا]»
أي فاللّه تعالى جعل بعض الأيام موسومة بوسم يتعلق بالخلق من مغفرة الذنوب والتفريج عن المكروب فقال تعالى : يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ في تلك الأيام التي في ذلك الشأن وجعل بعضها موسومة بأن لا داعي فيها ولا سائل، وكيف لا نقول بهذا، ولو تركنا كل يوم على عمومه لكان كل يوم فيه فعل وأمر وشأن فيفضي ذلك إلى القول بالقدم والدوام، اللهم إلا أن يقال : عام دخله التخصيص كقوله تعالى : وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل : ٢٣] وتُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ [الأحقاف : ٢٥].
المسألة الثالثة : فعلى المشهور يكون اللّه تعالى في كل يوم ووقت في شأن، وقد جف القلم بما هو كائن، نقول : فيه أجوبة منقولة في غاية الحسن فلا نبخل بها وأجوبة معقولة نذكرها بعدها : أما المنقولة فقال بعضهم :
المراد سوق المقادير إلى المواقيت، ومعناه أن القلم جف بما يكون في كل [يوم و] وقت، فإذا جاء ذلك الوقت تعلقت إرادته بالفعل فيه فيوجد، وهذا وجه حسن لفظا ومعنى وقال بعضهم : شؤون يبديها لا شؤون يبتديها،


الصفحة التالية
Icon