مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣٩٧
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٢ إلى ٢٣]
وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)
وفيها قراءات الأولى : الرفع وهو المشهور، ويكون عطفا على ولدان، فإن قيل قال قبله : حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ [الرحمن : ٧٢] إشارة إلى كونها مخدرة ومستورة، فكيف يصح قولك : إنه عطف على ولدان؟ نقول : الجواب عنه من وجهين أحدهما : وهو المشهور أن نقول : هو عطف عليهم في اللفظ لا في المعنى، أو في المعنى على التقدير والمفهوم لأن قوله تعالى : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ [الواقعة : ١٧] معناه لهم ولدان كما قال تعالى : وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ [الطور : ٢٤] فيكون : وَحُورٌ عِينٌ بمعنى ولهم حور عين وثانيهما : وهو أن يقال : ليست الحور منحصرات في جنس، بل لأهل الجنة : حُورٌ مَقْصُوراتٌ في حظائر معظمات ولهن جواري وخوادم، وحور تطوف مع الولدان السقاة فيكون كأنه قال : يطوف عليهم ولدان ونساء الثانية : الجر عطفا على أكواب وأباريق، فإن قيل : كيف يطاف بهن عليهم؟ نقول : الجواب سبق عند قوله : وَلَحْمِ طَيْرٍ [الواقعة : ٢١] أو عطفا على : جَنَّاتِ [الواقعة : ١٢] أي : أولئك المقربون في جنات النعيم وحور. وقرئ حورا عينا بالنصب، ولعل الحاصل على هذه القراءة على غير العطف بمعنى العطف لكن هذا القارئ لا بد له من تقدير ناصب فيقول : يؤتون حورا فيقال : قد رافعا فقال : ولهم حور عين فلا يلزم الخروج عن موافقة العاطف وقوله تعالى : كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ فيه مباحث :
الأول : الكاف للتشبيه، والمثل حقيقة فيه، فلو قال : أمثال اللؤلؤ المكنون لم يكن إلى الكاف حاجة، فما وجه الجمع بين كلمتي التشبيه؟ نقول : الجواب المشهور أن كلمتي التشبيه يفيدان التأكيد والزيادة في التشبيه، فإن قيل : ليس كذلك بل لا يفيدان ما يفيد أحدهما لأنك إن قلت مثلا : هو كاللؤلؤة للمشبه، دون المشبه به في الأمر الذي لأجله التشبيه؟ نقول : التحقيق فيه، هو أن الشيء إذا كان له مثل فهو مثله، فإذا قلت هو مثل القمر لا يكون في المبالغة مثل قولك هو قمر وكذلك قولنا : هو كالأسد، وهو أسد، فإذا قلت : كمثل اللؤلؤ كأنك قلت : مثل اللؤلؤ وقولك : هو اللؤلؤ أبلغ من قولك : هو كاللؤلؤ، وهذا البحث يفيدنا هاهنا، ولا يفيدنا في قوله تعالى :
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى : ١١] لأن النفي في مقابلة الإثبات، ولا يفهم معنى النفي من الكلام ما لم يفهم معنى الإثبات الذي يقابله، فنقول قوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في مقابلة قول من يقول : كمثله شيء، فنفى ما أثبته لكن معنى قوله : كَمِثْلِهِ شَيْءٌ إذا لم نقل بزيادة الكاف هو أن مثل مثله شيء، وهذا كلام يدل على أن له مثلا، ثم إن لمثله مثلا، فإذا قلنا : ليس كذلك كان ردا عليه، والرد عليه صحيح بقي أن يقال : إن الراد على من يثبت أمورا لا يكون نافيا لكل ما أثبته، فإذا قال قائل : زيد عالم جيد، ثم قيل ردا عليه : ليس زيد عالما جيدا لا يلزم من هذا أن يكون نافيا لكونه عالما، فمن يقول : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ بمعنى ليس مثل مثله شيء لا يلزم أن يكون نافيا لمثله، بل يحتمل أن يكون نافيا لمثل المثل، فلا يكون / الراد أيضا موحدا فيخرج الكلام عن إفادة التوحيد، فنقول : يكون مفيدا للتوحيد لأنا إذا قلنا : ليس مثل مثله شيء لزم أن لا يكون له مثل لأنه لو كان له مثل لكان هو مثل مثله، وهو شيء بدليل قوله تعالى : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ [الأنعام : ١٩] فإن حقيقة الشيء هو الموجود فيكون مثل مثله شيء وهو منفي بقولنا : ليس مثل مثله شيء، فعلم أن الكلام لا


الصفحة التالية
Icon