مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٢١
[الواقعة : ٧] من غير لام فما الفرق بينهما؟ نقول : ذكر الزمخشري عنه جوابين أحدهما : قوله تعالى : لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً كان قريب الذكر فاستغنى بذكر اللام فيه عن ذكرها ثانيا، وهذا ضعيف لأن / وقوله تعالى :
لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ [يس : ٦٦] مع قوله : لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ [يس : ٦٧] أقرب من قوله :
لَجَعَلْناهُ حُطاماً وجَعَلْناهُ أُجاجاً [الواقعة : ٧٠] اللهم إلا أن نقول : هناك أحدهما قريب من الآخر ذكرا لا معنى لأن الطمس لا يلزمه المسخ ولا بالعكس والمأكول معه المشروب في الدهر، فالأمران تقاربا لفظا ومعنى والجواب الثاني : أن اللام يفيد نوع تأكيد فذكر اللام في المأكول ليعلم أن أمر المأكول أهم من أمر المشروب وأن نعمته أعظم وما ذكرنا أيضا وارد عليه لأن أمر الطمس أهون من أمر المسخ وأدخل فيهما اللام، وهاهنا جواب آخر يبين بتقديم بحث عن فائدة اللام في جواب لو، فنقول : حرف الشرط إذا دخل على الجملة يخرجها عن كونها جملة في المعنى فاحتاجوا إلى علامة تدل على المعنى، فأتوا بالجزم في المستقبل لأن الشرط يقتضي جزاء، وفيه تطويل فالجزم الذي هو سكون أليق بالموضع وبينه وبين المعنى أيضا مناسبة لكن كلمة لو مختصة بالدخول على الماضي معنى فإنها إذا دخلت على المستقبل جعلته ماضيا، والتحقيق فيه أن الجملة الشرطية لا تخرج عن أقسام فإنها إذا ذكرت لا بد من أن يكون الشرط معلوم الوقوع لأن الشرط إن كان معلوم الوقوع فالجزاء لازم الوقوع فجعل الكلام جملة شرطية عدول عن جملة إسنادية إلى جملة تعليقية وهو تطويل من غير فائدة فقول القائل : آتيك إن طلعت الشمس تطويل والأولى أن يقول : آتيك جزما من غير شرط فإذا علم هذا فحال الشرط لا يخلو من أن يكون معلوم العدم أو مشكوكا فيه فالشرط إذا وقع على قسمين فلا بد لهما من لفظين وهما إن ولو، واختصت إن بالشكوك، ولو بمعلوم لأمر بيناه في موضع آخر لكن ما علم عدم يكون الآخر فقد أثبت منه فهو ماض أو في حكمه لأن العلم بالأمور يكون بعد وقوعها وما يشك فيه فهو مستقبل أو في معناه لأننا نشك في الأمور المستقبلة أنها تكون أو لا تكون والماضي خرج عن التردد، وإذا ثبت
هذا، فنقول :
لما دخل لو على الماضي وما اختلف آخر بالعامل لم يتبين فيه إعراب، وإن لما دخل على المستقبل بان فيه الإعراب، ثم إن الجزاء على حسب الشرط وكان الجزاء في باب لو ماضيا فلم يتبين فيه الحال ولا سكون، فيضاف له حرف يدل على خروجه عن كونه جملة ودخوله في كونه جزء جملة، إذا ثبت هذا فنقول : عند ما يكون الجزاء ظاهرا يستغني عن الحرف الصارف، لكن كون الماء المذكور في الآية، وهو الماء المشروب المنزل من المزن أجاجا ليس أمرا واقعا يظن أنه خبر مستقل، ويقويه أنه تعالى يقول : جَعَلْناهُ أُجاجاً على طريقة الإخبار والحرث والزرع كثيرا ما وقع كونه حطاما فلو قال : جعلناه حطاما، كان يتوهم منه الإخبار فقال هناك : لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ ليخرجه عما هو صالح له في الواقع، وهو الحطامية وقال الماء المنزل المشروب من المزن جعلناه أجاجا لأنه لا يتوهم ذلك فاستغنى عن اللام، وفيه لطيفة : أخرى نحوية، وهي أن في القرآن إسقاط اللام عن جزاء لو حيث كانت لو داخلة على مستقبل لفظا، وأما إذا كان ما دخل عليه لو ماضيا، وكان الجزاء موجبا فلا كما في قوله تعالى : وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا [السجدة : ١٣] ولَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ [إبراهيم :
٢١] وذلك لأن لو إذا دخلت على فعل مستقل كما في / قوله : لَوْ نَشاءُ فقد أخرجت عن حيزها لفظا، لأن لو للماضي فإذا خرج الشرط عن حيزه جاز في الجزاء الإخراج عن حيزه لفظا وإسقاط اللام عنه، لأن إن كان حيزها المستقبل وتدخل على المستقبل، فإذا جعل ما دخل إن عليه ماضيا كقولك : إن جئتني، جاز في الخبر الإخراج عن حيزه وترك الجزم فنقول : أكرمك بالرفع، وأكرمك بالجزم، كما تقول في : لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ


الصفحة التالية
Icon