مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٢٤
التسبيح بالاسم وكان الاسم مقحما كان التسبيح في الحقيقة متعلقا بغيره وهو الرب وكان التعلق خفيا من وجه فجاز إدخال الباء، فإن قيل : إذا جاز الإسقاط والإثبات فما الفرق بين هذا الموضع وبين قوله تعالى : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى؟ [الأعلى : ١] فنقول : هاهنا تقديم الدليل على العظمة أن يقال : الباء في قوله : بِاسْمِ غير زائدة، وتقريره من وجهين أحدهما : أنه لما ذكر الأمور وقال : نحن أم أنتم، فاعترف الكل بأن الأمور من اللَّه، وإذا طولبوا بالوحدانية قالوا : نحن لا نشرك في المعنى وإنما نتخذ أصناما آلهة في الاسم ونسميها آلهة والذي خلقها وخلق السموات هو اللَّه فنحن ننزهه في الحقيقة فقال : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ وكما أنك أيها العاقل اعترفت بعدم اشتراكهما في الحقيقة اعترف بعدم اشتراكهما في الاسم، ولا تقل لغيره إله، فإن الاسم يتبع المعنى والحقيقة، وعلى هذا فالخطاب لا يكون مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم بل يكون كما يقول الواعظ : يا مسكين أفنيت عمرك وما أصلحت عملك، ولا يريد أحدا بعينه، وتقديره يا أيها المسكين السامع وثانيهما : أن يكون المراد بذكر ربك، أي إذا قلت : وتولوا، فسبح ربك بذكر اسمه بين قومك واشتغل بالتبليغ، والمعنى اذكره باللسان والقلب وبين وصفه لهم وإن لم يقبلوا فإنك مقبل على شغلك الذي هو التبليغ، ولو قال : فسبح ربك، ما أفاد الذكر لهم، وكان ينبئ عن التسبيح بالقلب، ولما قال : فسبح باسم ربك، والاسم هو الذي يذكر لفظا دل على أنه مأمور بالذكر اللساني وليس له أن يقتصر على الذكر القلبي ويحتمل أن يقال : فسبح مبتدئا باسم ربك العظيم فلا تكون الباء زائدة.
المسألة الثالثة : كيف يسبح ربنا؟ نقول : إما معنى، فبأن يعتقد فيه أنه واحد منزه عن / الشريك وقادر بريء عن العجز فلا يعجز عن الحشر وإما لفظا فبأن يقال : سبحان اللَّه وسبحان اللَّه العظيم، وسبحانه عما يشركون، أو ما يقوم مقامه من الكلام الدال على تنزيهه عن الشريك والعجز فإنك إذا سبحته واعتقدت أنه واحد منزه عن كل ما لا يجوز في حقيقته، لزم أن لا يكون جسما لأن الجسم فيه أشياء كثيرة وهو واحد حقيقي لا كثرة لذاته، ولا يكون عرضا ولا في مكان، وكل مالا يجوز له ينتفي عنه بالتوحيد ولا يكون على شيء، ولا في شيء، ولا عن شيء، وإذا قلت : هو قادر ثبت له العلم والإرادة والحياة وغيرها من الصفات وسنذكر ذلك في تفسير سورة الإخلاص إن شاء اللَّه تعالى.
المسألة الرابعة : ما الفرق بين الْعَظِيمِ وبين الْأَعْلَى، وهل في ذكر الْعَظِيمِ هنا بدل الْأَعْلَى وذكر الأعلى في قوله : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى : ١] بدل الْعَظِيمِ فائدة؟ نقول : أما الفرق بين العظيم والأعلى فهو أن العظيم يدل على القرب، والأعلى يدل على البعد، بيانه هو أن ما عظم من الأشياء المدركة بالحس قريب من كل ممكن، لأنه لو بعد عنه لخلا عنه موضعه، فلو كان فيه أجزاء أخر لكان أعظم مما هو عليه فالعظيم بالنسبة إلى الكل هو الذي يقرب من الكل، وأما الصغير إذا قرب من جهة فقد بعد عن أخرى، وأما العلي فهو البعيد عن كل شيء لأن ما قرب من شيء من جهة فوق يكون أبعد منه وكان أعلى فالعلي المطلق بالنسبة إلى كل شيء هو الذي في غاية البعد عن كل شيء، إذا عرفت هذا فالأشياء المدركة تسبح اللَّه، وإذا علمنا من اللَّه معنى سلبيا فصح أن نقول : هو أعلى من أن يحيط به إدراكنا وإذا علمنا منه وصفا ثبوتيا من علم وقدرة يزيد تعظيمه أكثر مما وصل إليه علمنا، فنقول : هو أعظم وأعلى من أن يحيط به علمنا، وقولنا : أعظم معناه عظيم لا عظيم مثله، ففيه مفهوم سلبي ومفهوم ثبوتي وقوله : أعلى، معناه هو علي ولا علي مثله، والعلي


الصفحة التالية
Icon