مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٣٩
إلى شيء من الشفاعة وغيرها، فسلام لك يا محمد منهم فإنهم في سلامة وعافية لا يهمك أمرهم، أو فسلام لك يا محمد منهم، وكونهم ممن يسلم على محمد صلى اللَّه عليه وسلم دليل العظمة، فإن العظيم لا يسلم عليه إلا عظيم، وعلى هذا ففيه لطيفة : وهي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مكانته فوق مكانة أصحاب اليمين بالنسبة إلى المقربين الذين هم في عليين، كأصحاب الجنة بالنسبة إلى أهل عليين، فلما قال : وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ كان فيه إشارة إلى أن مكانهم غير مكان الأولين المقربين، فقال تعالى : هؤلاء وإن كانوا دون الأولين لكن لا تنفع بينهم المكانة والتسليم، بل هم يرونك ويصلون إليك وصول جليس الملك إلى الملك والغائب إلى أهله وولده، وأما المقربون فهم يلازمونك ولا يفارقونك وإن كنت أعلى مرتبة منهم. / ثم قال تعالى :
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٩٢ إلى ٩٤]
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال هاهنا : مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ وقال من قبل : ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ [الواقعة : ٥١] وقد بينا فائدة التقديم والتأخير هناك.
المسألة الثانية : ذكر الأزواج الثلاثة في أول السورة بعبارة وأعادهم بعبارة أخرى فقال : فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ [الواقعة : ٨] ثم قال : وَأَصْحابُ الْيَمِينِ [الواقعة : ٢٧] وقال : وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ [الواقعة :
٩] ثم قال : وَأَصْحابُ الشِّمالِ [الواقعة : ٤١] وأعادهم هاهنا، وفي المواضع الثلاثة ذكر أصحاب اليمين بلفظ واحد أو بلفظين مرتين، أحدهما غير الآخر، وذكر السابقين في أول السورة بلفظ السابقين، وفي آخر السورة بلفظ المقربين، وذكر أصحاب النار في الأول بلفظ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ثم بلفظ أَصْحابُ الشِّمالِ ثم بلفظ الْمُكَذِّبِينَ فما الحكمة فيه؟ نقول : أما السابق فله حالتان إحداهما في الأولى، والأخرى في الآخرة، فذكره في المرة الأولى بماله في الحالة الأولى، وفي الثانية بماله في الحالة الآخرة، وليس له حالة هي واسطة بين الوقوف للعرض وبين الحساب، بل هو ينقل من الدنيا إلى أعلى عليين، ثم ذكر أصحاب اليمين بلفظين متقاربين، لأن حالهم قريبة من حال السابقين، وذكر الكفار بألفاظ ثلاثة كأنهم في الدنيا ضحكوا عليهم بأنهم أصحاب موضع شؤم، فوصفوهم بموضع الشؤم، فإن المشأمة مفعلة وهي الموضع، ثم قال : أَصْحابُ الشِّمالِ فإنهم في الآخرة يؤتون كتابهم بشمالهم، ويقفون في موضع هو شمال، لأجل كونهم من أهل النار، ثم إنه تعالى لما ذكر حالهم في أول الحشر بكونهم من أصحاب الشمال ذكر ما يكون لهم من السموم والحميم، ثم لم يقتصر عليه، ثم ذكر السبب فيه، فقال : إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ وَكانُوا يُصِرُّونَ [الواقعة : ٤٥، ٤٦] فذكر سبب العقاب لما بينا مرارا أن العادل يذكر للعقاب سببا، والمتفضل لا يذكر للإنعام والتفضل سببا، فذكرهم في الآخرة ما عملوه في الدنيا، فقال : وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ ليكون ترتيب العقاب على تكذيب الكتاب فظهر العدل، وغير ذلك ظاهر. ثم قال تعالى :
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٩٥ إلى ٩٦]
إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)