مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٥٦
الأمر له نور ورونق، إذا كان المقصود حاصلا.
المسألة الثالثة : قرأ سهل بن شعيب وَبِأَيْمانِهِمْ بكسر الهمزة، والمعنى يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم حصل ذلك السعي، ونظيره قوله تعالى : ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ [الحج : ١٠] أي ذلك كائن بذلك.
ثم قال تعالى : بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : حقيقة البشارة ذكرناها في تفسير قوله : وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة : ٢٥] ثم قالوا :
تقدير الآية وتقول لهم الملائكة بشراكم اليوم، كما قال : وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد : ٢٣، ٢٤].
المسألة الثانية : دلت هذه الآية على أن المؤمنين لا ينالهم أهوال يوم القيامة لأنه تعالى بين أن هذه صفتهم يوم القيامة من غير تخصيص.
المسألة الثالثة : احتج الكعبي على أن الفاسق ليس بمؤمن فقال : لو كان مؤمنا لدخل تحت هذه البشارة، ولو كان كذلك لقطع بأنه من أهل الجنة، ولما لم يكن كذلك ثبت أنه ليس بمؤمن والجواب : أن الفاسق قاطع بأنه من أهل الجنة لأنه إما أن لا يدخل النار أو إن دخلها لكنه سيخرج منها وسيدخل الجنة ويبقى فيها أبد الآباد، فهو إذن قاطع بأنه من أهل الجنة، فسقط هذا الاستدلال.
المسألة الرابعة : قوله : ذلِكَ عائد إلى جميع ما تقدم وهو النور والبشرى بالجنات المخلدة.
المسألة الخامسة : قرئ : ذلك الفوز، بإسقاط كلمة : هو.
واعلم أنه تعالى لما شرح حال المؤمنين في موقف القيامة أتبع ذلك بشرح حال المنافقين. فقال :
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٣]
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)
قوله : يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً وفيه مسائل :
المسألة الأولى : يَوْمَ يَقُولُ، بدل من يَوْمَ تَرَى [الحديد : ١٢]، أو هو أيضا منصوب با ذكر تقديرا.
المسألة الثانية : قرأ حمزة وحده (أنظرونا) مكسورة الظاء، والباقون (أنظروا)، قال أبو علي / الفارسي لفظ النظر يستعمل على ضروب أحدها : أن تريد به نظرت إلى الشيء، فيحذف الجار ويوصل الفعل، كما أنشد أبو الحسن :
ظاهرات الجمال والحسن ينظرن كما ينظر الأراك الظباء
والمعنى ينظرن إلى الأراك وثانيها : أن تريد به تأملت وتدبرت، ومنه قولك : اذهب فانظر زيدا أيؤمن، فهذا يراد به التأمل، ومنه قوله تعالى : انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ [الأسراء : ٤٨]، انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ


الصفحة التالية
Icon