مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٥٩
قالوا بلى كنتم معنا إلا أنكم فعلتم أشياء بسببها وقعتم في هذا العذاب أولها : وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي بالكفر والمعاصي وكلها فتنة وثانيها : قوله : وَتَرَبَّصْتُمْ وفيه وجوه أحدها : قال ابن عباس : تربصتم بالتوبة وثانيها : قال مقاتل : وتربصتم بمحمد الموت، قلتم يوشك أن يموت فنستريح منه وثالثها : كنتم تتربصون دائرة السوء لتلتحقوا بالكفار، وتتخلصوا من النفاق وثالثها : قوله : وَارْتَبْتُمْ وفيه وجوه الأول : شككتم في وعيد اللَّه وثانيها : شككتم في نبوة محمد وثالثها : شككتم في البعث والقيامة ورابعها : قوله : وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ قال ابن عباس : يريد الباطل وهو ما كانوا يتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ يعني الموت، والمعنى / ما زالوا في خدع الشيطان وغروره حتى أماتهم اللَّه وألقاهم في النار.
قوله تعالى : وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ سماك بن حرب : الْغَرُورُ بضم الغين، والمعنى وغركم باللَّه الاغترار وتقديره على حذف المضاف أي غركم باللَّه سلامتكم منه مع الاغترار.
المسألة الثانية : الْغَرُورُ بفتح الغين هو الشيطان لإلقائه إليكم أن لا خوف عليكم من محاسبة ومجازاة.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٥]
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥)
ثم قال تعالى : فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا الفدية ما يفتدى به وهو قولان :
الأول : لا يؤخذ منكم إيمان ولا توبة فقد زال التكليف وحصل الإلجاء.
الثاني : بل المراد لا يقبل منكم فدية تدفعون بها العذاب عن أنفسكم، كقوله تعالى : وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ [البقرة : ١٢٣]، واعلم أن الفدية ما يفتدى به فهو يتناول الإيمان والتوبة والمال، وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلا على ما تقوله المعتزلة لأنه تعالى بين أنه لا يقبل الفدية أصلا والتوبة فدية، فتكون الآية دالة على أن التوبة غير مقبولة أصلا، وإذا كان كذلك لم تكن التوبة واجبة القبول عقلا أما قوله :
وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ففيه بحث : وهو عطف الكافر على المنافق يقتضي أن لا يكون المنافق كافرا لوجوب حصول المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه والجواب : المراد الذين أظهروا الكفر وإلا فالمنافق كافر.
ثم قال تعالى : مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وفي لفظ المولى هاهنا أقوال : أحدها قال ابن عباس : مَوْلاكُمْ أي مصيركم، وتحقيقه أن المولى موضع الولي، وهو القرب، فالمعنى أن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه، والثاني : قال الكلبي : يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة، واعلم أن هذا الذي قالوه معنى وليس بتفسير للفظ، لأن لو كان مولى وأولى بمعنى واحد في اللغة، لصح استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال : هذا مولى من فلان كما يقال : هذا أولى من فلان، ويصح أن يقال : هذا أولى فلان كما يقال : هذا مولى فلان، ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير، وإنما نبهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لما تمسك بإمامة علي،
بقوله / عليه السلام :«من كنت مولاه فعلي مولاه»
قال : أحد معاني مولى أنه أولى، واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية، بأن مولى معناه أولى، وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إما بين الثبوت، ككونه ابن العم والناصر، أو بين الانتفاء،


الصفحة التالية
Icon