مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٧٦
والنبوة في قوم مخصوصين، وأن الفضل بيد اللَّه يؤتيه من يشاء ولا اعتراض عليه في ذلك أصلا أما القول الثاني : وهو أن لفظة (لا) غير زائدة، فاعلم أن الضمير في قوله : أَلَّا يَقْدِرُونَ عائد إلى الرسول وأصحابه، والتقدير : لئلا يعلم أهل الكتاب أن النبي والمؤمنين لا يقدرون على شيء من فضل اللَّه، وأنهم إذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون عليه فقد علموا أنهم يقدرون عليه، ثم قال : وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ أي وليعلموا أن الفضل بيد اللَّه، فيصير التقدير : إنا فعلنا كذا وكذا لئلا يعتقد أهل الكتاب أنهم يقدرون على حصر فضل اللَّه وإحسانه في أقوام معينين، وليعتقدوا أن الفضل بيد اللَّه، واعلم أن هذا القول ليس فيه إلا أنا أضمرنا فيه زيادة، فقلنا في قوله : وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ تقدير وليعتقدوا أن الفضل بيد اللّه وأما القول الأول : فقد افتقرنا فيه إلى حذف شيء موجد، ومن المعلوم أن الإضمار أولى من الحذف، لأن الكلام إذا افتقر إلى الإضمار لم يوهم ظاهره باطلا أصلا، أما إذا افتقر إلى الحذف كان ظاهره موهما للباطل، فعلمنا أن هذا القول أولى واللَّه أعلم.
المسألة الثانية : قال صاحب الكشاف قرئ :(لكي يعلم)، و(لكيلا يعلم)، و(ليعلم)، و(لأن يعلم)، بإدغام النون في الياء، وحكى ابن جني في «المحتسب» عن قطرب : أنه روي عن الحسن :(ليلا)، بكسر اللام وسكون الياء، وحكى ابن مجاهد عنه ليلا بفتح اللام وجزم الياء من غير همز، قال ابن جني : وما ذكر قطرب أقرب، وذلك لأن الهمزة إذا حذفت بقي لنلا فيجب إدغام النون في اللام فيصير للا فتجتمع اللامات فتجعل الوسطى لسكونها وانكسار ما قبلها ياء فيصير ليلا، وأما رواية ابن مجاهد عنه، فالوجه فيه أن لام الجر إذا أضفته إلى المضمر فتحته تقول له : فمنهم من قاس المظهر عليه، حكى أبو عبيدة أن بعضهم قرأ : وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [إبراهيم : ٤٦].
وأما قوله تعالى : وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ أي في ملكه وتصرفه واليد مثل يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ لأنه قادر مختار يفعل بحسب الاختيار وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ والعظيم لا بد وأن يكون إحسانه عظيما، والمراد تعظيم حال محمد صلى اللّه عليه وسلم في نبوته وشرعه وكتابه، واللَّه أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الصفحة التالية
Icon