مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٨٦
الأول : أن المشرك نجس، لقوله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة : ٢٨] وكل نجس خبيث بإجماع الأمة وقال تعالى : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة : ٢٦٧] الثاني : أجمعنا على أن الرقبة في كفارة القتل مقيدة بالإيمان، فكذا هاهنا، والجامع أن الإعتاق إنعام، فتقييده بالإيمان يقتضي صرف هذا الإنعام إلى أولياء اللَّه وحرمان أعداء اللَّه، وعدم التقييد بالإيمان قد يفضي إلى حرمان أولياء اللَّه، فوجب أن يتقيد بالإيمان تحصيلا لهذه المصلحة.
المسألة السابعة : إعتاق المكاتب لا يجزئ عند الشافعي رحمه اللَّه، وقال أبو حنيفة رحمه اللَّه إن أعتقه قبل أن يؤدي شيئا جاز عن الكفارة، وإذا أعتقه بعد أن يؤدي شيئا، فظاهر الرواية أنه لا يجزئ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجزئ، حجة أبي حنيفة أن المكاتب رقبة / لقوله تعالى : وَفِي الرِّقابِ [البقرة : ١٧٧] والرقبة مجزئة لقوله تعالى : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، حجة الشافعي أن المقتضى لبقاء التكاليف بإعتاق الرقبة قائم، بعد إعتاق المكاتب، وما لأجله ترك العمل به في محل الرقاب غير موجود هاهنا، فوجب أن يبقى على الأصل، بيان المقتضي أن الأصل في الثابت البقاء على ما كان، بيان الفارق أن المكاتب كالزائل عن ملك المولى وإن لم يزل عن ملكه، لكنه يمكن نقصان في رقه، بدليل أنه صار أحق بمكاسبه، ويمتنع على المولى التصرفات فيه، ولو أتلفه المولى يضمن قيمته، ولو وطئ مكاتبته يغرم المهر، ومن المعلوم أن إزالة الملك الخالص عن شوائب الضعف أشق على المالك من إزالة الملك الضعيف، ولا يلزم من خروج الرجل عن العهدة بإعتاق العبد القن خروجه عن العهدة بإعتاق المكاتب، والوجه الثاني : أجمعنا على أنه لو أعتقه الوارث بعد موته لا يجزئ عن الكفارة، فكذا إذا أعتقه المورث والجامع كون الملك ضعيفا.
المسألة الثامنة : لو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بينة الكفارة عتق عليه، لكنه لا يقع عن الكفارة عند الشافعي، وعند أبي حنيفة يقع، حجة أبي حنيفة التمسك بظاهر الآية، وحجة الشافعي ما تقدم.
المسألة التاسعة : قال أبو حنيفة : الإطعام في الكفارات يتأدى بالتمكين من الطعام، وعند الشافعي لا يتأدى إلا بالتمليك من الفقير، حجة أبي حنيفة ظاهر القرآن وهو أن الواجب هو الإطعام، وحقيقة الإطعام هو التمكين، بدليل قوله تعالى : مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة : ٨٩] وذلك يتأدى بالتمكين والتمليك، فكذا هاهنا، وحجة الشافعي القياس على الزكاة وصدقة الفطر.
المسألة العاشرة : قال الشافعي : لكل مسكين مد من طعام بلده الذي يقتات منه حنطة أو شعيرا أو أرزا أو تمرا أو أقطا، وذلك بمد النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولا يعتبر مد حدث بعده، وقال أبو حنيفة : يعطى كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ولا يجزئه دون ذلك، حجة الشافعي أن ظاهر الآية يقتضي الإطعام، ومراتب الإطعام مختلفة بالملكية والكيفية، فليس حمل اللفظ على البعض أولى من حمله على الباقي، فلا بد من حمله على أقل مالا بد منه ظاهرا، وذلك هو المد، حجة أبي حنيفة ما
روي في حديث أوس بن الصامت :«لكل مسكين نصف صاع من بر»
وعن علي وعائشة قالا : لكل مسكين مدان من بر،
ولأن المعتبر حاجة اليوم لكل مسكين، فيكون نظير صدقة الفطر، ولا يتأدى ذلك بالمد، بل بما قلنا، فكذلك هنا.
المسألة الحادية عشرة : لو أطعم مسكينا واحدا ستين مرة لا يجزئ عند الشافعي، وعند أبي حنيفة يجزئ، حجة الشافعي ظاهر الآية، وهو أنه أوجب إطعام ستين مسكينا، فوجب رعاية ظاهر الآية، وحجة أبي


الصفحة التالية
Icon