مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٩٨
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ١٧]
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧)
روي أن واحدا منهم قال : لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأولادنا، فنزلت هذه الآية.
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ١٨]
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨)
قال ابن عباس : إن المنافق يحلف للَّه يوم القيامة كذبا كما يحلف لأوليائه في الدنيا كذبا أما الأول :
فكقوله : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام : ٢٣]. وأما الثاني : فهو كقوله : وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ [البقرة : ٥٦] والمعنى أنهم لشدة توغلهم في النفاق ظنوا يوم القيامة أنه يمكنهم ترويج / كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب، فكان هذا الحلف الذميم يبقى معهم أبدا، وإليه الإشارة بقوله : وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الأنعام : ٢٨] قال الجبائي والقاضي : إن أهل الآخرة لا يكذبون، فالمراد من الآية أنهم يحلفون في الآخرة أنا ما كنا كافرين عند أنفسنا، وعلى هذا الوجه لا يكون هذا الحلف كذبا، وقوله : أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ أي في الدنيا، واعلم أن تفسير الآية بهذا الوجه لا شك أنه يقتضي ركاكة عظيمة في النظم، وقد استقصينا هذه المسألة في سورة الأنعام في تفسير قوله : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام : ٢٣].
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ١٩]
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩)
قال الزجاج : استحوذ في اللغة استولى، يقال : حاوزت الإبل، وحذتها إذا استوليت عليها وجمعتها، قال المبرد : استحوذ على الشيء حواه وأحاط به، وقالت عائشة في حق عمر : كان أحوذيا، أي سائسا ضابطا للأمور، وهو أحد ما جاء على الأصل نحو : استصوب واستنوق، أي ملكهم الشيطان واستولى عليهم، ثم قال :
فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ واحتج القاضي به في خلق الأعمال من وجهين الأول : ذلك النسيان لو حصل بخلق اللَّه لكانت إضافتها إلى الشيطان كذبا والثاني : لو حصل ذلك بخلق اللَّه لكانوا كالمؤمنين في كونهم حزب اللَّه لا حزب الشيطان. ثم قال تعالى :
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ٢٠ إلى ٢١]
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)
أي في جملة من هو أذل خلق اللَّه، لأن ذل أحد الخصمين على حسب عز الخصم الثاني، فلما كانت عزة اللَّه غير متناهية، كانت ذلة من ينازعه غير متناهية أيضا، ولما شرح ذلهم، بين عز المؤمنين فقال : كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ نافع وابن عامر : أَنَا وَرُسُلِي بفتح الياء، والباقون لا يحركون، قال أبو علي :
التحريك والإسكان جميعا جائزان.
المسألة الثانية : غلبة جميع الرسل بالحجة مفاضلة، إلا أن منهم من ضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف، ومنهم من لم يكن كذلك، ثم قال : إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ على نصرة أنبيائه : عَزِيزٌ غالب لا يدفعه أحد عن مراده، لأن كل ما سواه ممكن الوجود لذاته، والواجب لذاته يكون غالبا للممكن / لذاته، قال مقاتل : إن


الصفحة التالية
Icon