مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٥٠٧
قال صاحب «الكشاف» : لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى فهي منها وغير أجنبية عنها، واعلم أنهم أجمعوا على أن المراد من قوله : وَلِذِي الْقُرْبى بنو هاشم وبنو المطلب. قال الواحدي : كان الفيء في زمان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقسوما على خمسة أسهم أربعة منها لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاصة وكان الخمس الباقي يقسم على خمسة أسهم، سهم منها لرسول اللَّه أيضا، والأسهم الأربعة لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وأما بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام فللشافعي فيما كان من الفيء لرسول اللَّه قولان أحدهما : أنه للمجاهدين المرصدين للقتال في الثغور لأنهم قاموا مقام رسول اللَّه في رباط الثغور والقول الثاني : أنه يصرف إلى مصالح المسلمين من سد الثغور وحفر الأنهار وبناء القناطر، يبدأ بالأهم فالأهم، هذا في الأربعة أخماس التي كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأما السهم الذي كان له من خمس الفيء فإنه لمصالح المسلمين بلا خلاف، وقوله تعالى : كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ فيه مسائل :
المسألة الأولى : قال المبرد : الدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم يكون كذا مرة وكذا مرة، والدولة بالفتح انتقال حال سارة إلى قوم عن قوم، فالدولة بالضم اسم ما يتداول، وبالفتح مصدر من هذا، ويستعمل في الحالة السارة التي تحدث للإنسان، فيقال : هذه دولة فلان / أي تداوله، فالدولة اسم لما يتداول من المال، والدولة اسم لما ينتقل من الحال، ومعنى الآية كي لا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها واقعا في يد الأغنياء ودولة لهم.
المسألة الثانية : قرئ :(دولة) و(دولة) بفتح الدال وضمها، وقرأ أبو جعفر : دُولَةً مرفوعة الدال والهاء، قال أبو الفتح : يَكُونَ هاهنا هي التامة كقوله : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ [البقرة : ٢٨٠] يعني كي لا يقع دولة جاهلية، ثم قال : وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا يعني ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه فهو لكم حلال وما نهاكم عن أخذه فانتهوا وَاتَّقُوا اللَّهَ في أمر الفيء إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ على ما نهاكم عنه الرسول، والأجود أن تكون هذه الآية عامة في كل ما آتى رسول اللَّه ونهى عنه وأمر الفيء داخل في عمومه.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٨]
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨)
اعلم أن هذا بدل من قوله : وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر : ٧] كأنه قيل :
أعني بأولئك الأربعة هؤلاء الفقراء والمهاجرين الذين من صفتهم كذا وكذا، ثم إنه تعالى وصفهم بأمور : أولها :
أنهم فقراء وثانيها : أنهم مهاجرون وثالثها : أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم يعني أن كفار مكة أحوجوهم إلى الخروج فهم الذين أخرجوهم ورابعها : أنهم يبتغون فضلا من اللَّه ورضوانا، والمراد بالفضل ثواب الجنة وبالرضوان قوله : وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة : ٧٢] وخامسها : قوله : وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي بأنفسهم وأموالهم وسادسها : قوله : أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ يعني أنهم لما هجروا لذات الدنيا وتحملوا شدائدها لأجل الدين ظهر صدقهم في دينهم، وتمسك بعض العلماء بهذه الآية على إمامة أبي بكر رضي اللَّه عنه، فقال : هؤلاء الفقراء من المهاجرين والأنصار كانوا يقولون لأبي بكر يا خليفة رسول اللَّه، واللَّه يشهد على


الصفحة التالية
Icon