مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٥١١
[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٦]
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦)
أي مثل المنافقين الذين غروا بني النضير بقولهم : لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ [الشر : ١١] ثم خذلوهم وما وفوا بعهدهم : كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ / ثم تبرأ منه في العاقبة، والمراد إما عموم دعوة الشيطان إلى الكفر، وإما إغواء الشيطان قريشا يوم بدر بقوله : لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ إلى قوله إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ [الأنفال : ٤٨]. ثم قال :
[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٧]
فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال مقاتل : فكان عاقبة المنافقين واليهود مثل عاقبة الشيطان والإنسان حيث صارا إلى النار.
المسألة الثانية : قال صاحب «الكشاف» : قرأ ابن مسعود (خالدان فيها)، على أنه خبران، وفِي النَّارِ لغو، وعلى القراءة المشهورة الخبر هو الظرف وخالِدَيْنِ فِيها حال، وقرئ : عاقِبَتَهُما بالرفع، ثم قال :
وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ أي المشركين، لقوله تعالى : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان : ١٣].
[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)
ثم إنه تعالى رجع إلى موعظة المؤمنين فقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ.
الغد : يوم القيامة سماه باليوم الذي يلي يومك تقريبا له، ثم ذكر النفس والغد على سبيل التنكير. أما الفائدة في تنكير النفس فاستقلال الأنفس التي تنظر فيما قدمت للآخرة كأنه قال : فلتنظر نفس واحدة في ذلك، وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره كأنه قيل : الغد لا يعرف كنهه لعظمه.
ثم قال : وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ كرر الأمر بالتقوى تأكيدا أو يحمل الأول : على أداء الواجبات والثاني : على ترك المعاصي.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٩]
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩)
ثم قال تعالى : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ وفيه وجهان : الأول : قال المقاتلان :
نسوا حق اللَّه فجعلهم ناسين حق أنفسهم حتى لم يسعوا لها بما ينفعهم عنده الثاني : فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أي أراهم يوم القيامة من الأهوال ما نسوا فيه أنفسهم، كقوله : لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ [إبراهيم : ٤٣] وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى
[الحج : ٢].
ثم قال : أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ والمقصود منه الذم، واعلم أنه تعالى لما أرشد المؤمنين إلى ما هو


الصفحة التالية
Icon