مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٥١٣
والأحكام والأسماء، وقد شرحناه في أول سورة الحديد، ومضى شيء منه في تفسير قوله : وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة : ٣٠] وقال الحسن : إنه الذي كثرت بركاته.
وقوله : السَّلامُ فيه ووجهان الأول : أنه بمعنى السلامة ومنه دار السلام، وسلام عليكم وصف به مبالغة في كونه سليما من النقائض كما يقال : رجاء، وغياث، وعدل فإن قيل فعلى هذا التفسير لا يبقى بين القدوس، وبين السلام فرق، والتكرار خلاف الأصل، قلنا : كونه قدوسا، إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر، كونه : سليما، إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان المستقبل فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب، فإنه تزول سلامته ولا يبقى سليما الثاني : أنه سلام بمعنى كونه موجبا للسلامة.
وقوله : الْمُؤْمِنُ فيه ووجهان الأول : أنه الذي آمن أولياء عذابه، يقال : آمنه يؤمنه فهو مؤمن والثاني :
أنه المصدق، إما على معنى أنه يصدق أنبياءه بإظهار المعجزة لهم، أو لأجل أن أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم يشهدون لسائر الأنبياء، كما قال : لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة : ١٤٣] ثم إن اللَّه يصدقهم في تلك الشهادة، وقرئ بفتح الميم، يعني المؤمن به على حذف الجار كما حذف في قوله : وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ [الأعراف : ١٥٥].
وقوله : الْمُهَيْمِنُ قالوا : معناه الشاهد الذي لا يغيب عنه شيء. ثم في أصله قولان، قال الخليل وأبو عبيدة : هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيب على الشيء، وقال آخرون : مهيمن أصله مؤيمن، من آمن يؤمن، فيكون بمعنى المؤمن، وقد تقدم استقصاؤه عند قوله : وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة : ٤٨] وقال ابن الأنباري :
المهيمن القائم على خلقه برزقه وأنشد :
ألا إن خير الناس بعد نبيه مهيمنه التاليه في العرف والنكر
قال معناه : القائم على الناس بعده.
وأما الْعَزِيزُ فهو إما الذي لا يوجد له نظير، وإما الغالب القاهر.
وأما الْجَبَّارُ ففيه وجوه أحدها : أنه فعال من جبر إذا أغنى الفقير، وأصلح الكسير. قال الأزهري :
وهو لعمري جابر كل كسير وفقير، وهو جابر دينه الذي ارتضاه، قال العجاج :
«قد جبر الدين الإله فجبر».
والثاني : أن يكون الجبار من جبره على كذا إذا أكرهه على ما أراده، قال السدي : إنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراده، قال الأزهري : هي لغة تميم، وكثير من الحجازيين يقولونها، وكان الشافعي يقول :
جبره السلطان على كذا بغير ألف. وجعل الفراء الجبار بهذا معنى / من أجبره، وهي اللغة المعروفة في الإكراه، فقال : لم أسمع فعالا من أفعل إلا في حرفين، وهما جبار من أجبر، ودراك من أدرك، وعلى هذا القول الجبار هو القهار الثالث : قال ابن الأنباري : الجبار في صفة اللَّه الذي لا ينال، ومنه قيل للنخلة التي فاتت يد المتناول : جبارة الرابع : قال ابن عباس : الجبار، هو الملك العظيم، قال الواحدي : هذا الذي ذكرناه من معاني الجبار في صفة اللَّه، وللجبار معان في صفة الخلق أحدها : المسلط كقوله : وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق : ٤٥]، والثاني : العظيم الجسم كقوله : إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ [المائدة : ٢٢] والثالث : المتمرد عن عبادة اللَّه، كقوله : وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً [مريم : ٣٢]، «و الرابع : القتال كقوله : بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشعراء : ١٣٠]


الصفحة التالية
Icon