مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٥١٦
أن أتقرب منهم، وقد علمت أن اللَّه / تعالى ينزل بأسه عليهم، فصدقه وقبل عذره، فقال عمر : دعني يا رسول اللَّه أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى اللَّه عليه وسلم : ما يدريك يا عمر لعل اللَّه تعالى قد اطلع على أهل بدر فقال لهم :
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ففاضت عينا عمر، وقال : اللَّه ورسوله أعلم فنزلت،
وأما تفسير الآية فالخطاب في : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قد مر، وكذلك في الإيمان أنه في نفسه شيء واحد وهو التصديق بالقلب أو أشياء كثيرة وهي الطاعات، كما ذهب إليه المعتزلة، وأما قوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ فاتخذ يتعدى إلى مفعولين، وهما عدوي وأولياء، والعدو فعول من عدا، كعفو من عفا، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد، والعداوة ضد الصداقة، وهما لا يجتمعان في محل واحد، في زمان واحد، من جهة واحدة، لكنهما يرتفعان في مادة الإمكان، وعن الزجاج والكرابيسي عَدُوِّي أي عدو ديني، وقال عليه السلام :«المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»
وقال عليه السلام لأبي ذر :«يا أبا ذر أي عرا الإيمان أوثق، فقال اللَّه ورسوله أعلم، فقال الموالاة في اللَّه والحب في اللَّه والبغض في اللَّه»
وقوله تعالى : تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قوله : تُلْقُونَ بما ذا يتعلق، نقول : فيه وجوه الأول : قال صاحب النظم : هو وصف النكرة التي هي أولياء، قاله الفراء والثاني : قال في الكشاف : يجوز أن يتعلق بلا تتخذوا حالا من ضميره، وأولياء صفة له الثالث : قال ويجوز أن يكون استئنافا، فلا يكون صلة لأولياء، والباء في المودة كهي في قوله تعالى : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ [الحج : ٢٥] والمعنى : تلقون إليهم أخبار النبي صلى اللَّه عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم، ويدل عليه : تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ.
المسألة الثانية : في الآية مباحث الأول : اتخاذ العدو وليا كيف يمكن، وقد كانت العداوة منافية للمحبة والمودة، والمحبة المودة من لوازم ذلك الاتخاذ، نقول : لا يبعد أن تكون العداوة بالنسبة إلى أمر، والمحبة والمودة بالنسبة إلى أمر آخر، ألا ترى إلى قوله تعالى : إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن : ١٤] والنبي صلى اللَّه عليه وسلم قال :«أولادنا أكبادنا»
الثاني : لما قال : عَدُوِّي فلم لم يكتف به حتى قال : وَعَدُوَّكُمْ لأن عدو اللَّه إنما هو عدو المؤمنين؟ نقول : الأمر لازم من هذا التلازم، وإنما لا يلزم من كونه عدوا للمؤمنين أن يكون عدوا للَّه، كما قال : إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ، الثالث : لم قال : عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ولم يقل بالعكس؟ فنقول : العداوة بين المؤمن والكافر بسبب محبة اللَّه تعالى ومحبة رسوله، فتكون محبة العبد من أهل الإيمان لحضرة اللَّه تعالى لعلة، ومحبة حضرة اللَّه تعالى للعبد لا لعلة، لما أنه غني على الإطلاق، فلا حاجة به إلى الغير أصلا، والذي لا لعلة مقدم على الذي لعلة، ولأن الشيء إذا كان له نسبة إلى الطرفين، فالطرف الأعلى مقدم على الطرف الأدنى، الرابع : قال : أَوْلِياءَ ولم يقل : وليا، والعدو والولي بلفظ، فنقول : كما أنا المعرف بحرف التعريف / يتناول كل فرد، فكذلك المعرف بالإضافة الخامس : منهم من قال : الباء زائدة، وقد مر أن الزيادة في القرآن لا تمكن، والباء مشتملة على الفائدة، فلا تكون زائدة في الحقيقة.
[قوله تعالى وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ إلى قوله فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ] ثم قال تعالى : وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ.


الصفحة التالية
Icon