مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٥٢٤
تعصينني في معروف، فقالت : واللَّه ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصينك في شي ء»
وقوله : وَلا يَسْرِقْنَ يتضمن النهي عن الخيانة في الأموال والنقصان من العبادة، فإن يقال : أسرق من السارق من سرق من صلاته : وَلا يَزْنِينَ يحتمل حقيقة الزنا ودواعيه أيضا على ما
قال صلى اللَّه عليه وسلم :«اليدان تزنيان، والعينان تزنيان، والرجلان والفرج يصدق ذلك أو يكذبه»
وقوله : وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ أراد وأد البنات الذي كان يفعله أهل والجاهلية ثم هو عام في كل نوع من قتل الولد وغيره، وقوله : وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ نهى عن النميمة أي لا تنم إحداهن على صاحبها فيورث القطيعة، ويحتمل أن يكون نهيا عن إلحاق الولد بأزواجهن. قال ابن عباس : لا تلحق بزوجها ولدا ليس منه، قال الفراء : كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها : هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا رضعته الأم سقط بين يديها ورجليها، وليس المعنى نهيهن عن الزنا، لأن النهي عن الزنا قد تقدم، وقوله : وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ أي كل أمر وافق طاعة اللَّه، وقيل : في أمر بر وتقوى، وقيل في كل أمر فيه رشد، أي ولا يعصينك في جميع أمرك، وقال ابن المسيب والكلبي وعبد الرحمن بن زيد : وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ أي مما تأمرهن به وتنهاهن عنه، كالنوح وتمزيق الثياب، وجز الشعر ونتفه، وشق الجيب، وخمش الوجه، ولا تحدث الرجال إلا إذا كان ذا رحم محرم، ولا تخلو برجل غير محرم، ولا تسافر إلا مع ذي رحم محرم، ومنهم من خص هذا المعروف بالنوح، وعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال :«أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستقاء بالنجوم، والنياحة»
وقال :«النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة عليها سربال من قطران ودرع من جرب»
وقال صلى اللَّه عليه وسلم :«ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية»
وقوله :
فَبايِعْهُنَّ جواب إِذا، أي إذا بايعنك على هذه الشرائط فبايعهن، واختلفوا في كيفية المبايعة، فقالوا : كان يبايعهن وبين يده وأيديهن ثوب، وقيل : كان يشترط عليهن البيعة وعمر يصافحهن، قاله الكلبي، وقيل :
بالكلام، وقيل : دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه، ثم غمس أيديهن فيه، وما مست يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يد امرأة قط، وفي الآية مباحث :
البحث الأول : قال تعالى : إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ ولم يقل : فامتحنوهن، كما قال في المهاجرات والجواب : من وجهين أحدهما : أن الامتحان حاصل بقوله تعالى : عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ إلى آخرة وثانيهما : أن المهاجرات يأتين من دار الحرب فلا اطلاع لهن على الشرائع، فلا بد من الامتحان، وأما المؤمنات فهن في دار الإسلام وعلمن الشرائع فلا حاجة إلى الامتحان.
الثاني : ما الفائدة في قوله تعالى : بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وما وجهه؟ نقول : من قال المرأة إذا التقطت ولدا، فإنما التقطت بيدها، ومشت إلى أخذه برجلها، فإذا أضافته إلى زواجها فقد أتت / ببهتان تفترينه بين يديها ورجليها، وقيل : يفترينه على أنفسهن، حيث يقلن : هذا ولدنا وليس كذلك، إذ الولد ولد الزنا، وقيل :
الولد إذا وضعته أمه سقط بين يديها ورجليها.
الثالث : ما وجه الترتيب في الأشياء المذكورة وتقديم البعض منها على البعض في الآية؟ نقول : قدم الأقبح على ما هو الأدنى منه في القبح، ثم كذلك إلى آخره، وقيل : قدم من الأشياء المذكورة ما هو الأظهر فيما بينهم. ثم قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon