مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٥٢٨
وهم الذين وعدوا بالقتال ولم يقاتلوا، وهذه الآية محمدة الموافقين في القتال وهم الذين قاتلوا في سبيل اللَّه وبالغوا فيه. ثم قال تعالى :
[سورة الصف (٦١) : آية ٥]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥)
معناه اذكر لقومك هذه القصة، وإِذْ منصوب بإضمار اذكر أي حين قال لهم : تُؤْذُونَنِي وكانوا يؤذونه بأنواع الأذى قولا وفعلا، فقالوا : أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء : ١٥٣]، لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ [البقرة : ٦١] وقيل : قد رموه بالأدرة، وقوله تعالى : وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ في موضع الحال، أي تؤذونني عالمين علما قطعيا أني رسول اللَّه وقضية علمكم بذلك موجبة للتعظيم والتوقير، وقوله : فَلَمَّا زاغُوا أي مالوا إلى غير الحق أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ أي أمالها عن الحق، وهو قول ابن عباس وقال مقاتل : زاغُوا أي عدلوا عن الحق بأبدانهم أَزاغَ اللَّهُ أي أمال اللَّه قلوبهم عن الحق وأضلهم جزاء ما عملوا، ويدل عليه قوله تعالى : وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ قال أبو إسحاق معناه : واللَّه لا يهدي من سبق في عمله أنه فاسق، وفي هذا تنبيه على عظيم إيذاء الرسول صلى اللَّه عليه وسلم حتى إنه يؤدي إلى الكفر وزيغ القلوب عن الهدى وَقَدْ معناه التوكيد كأنه قال : وتعلمون علما يقينيا لا شبهة لكم فيه. ثم قال تعالى :
[سورة الصف (٦١) : الآيات ٦ إلى ٧]
وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧)
قوله : إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ أي اذكروا أني رسول اللَّه أرسلت إليكم بالوصف الذي وصفت به في التوراة ومصداقا بالتوراة وبكتب اللَّه وبأنبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يصدق بالتوراة على مثل تصديقي، فكأنه قيل له : ما اسمه؟ فقال : اسمه احمد قلوله : يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ جملتان في موضع الجر لأنهما صفتان للنكرة التي هي رسول، وفي بَعْدِي اسْمُهُ قراءتان تحريك الياء بالفتح على الأصل، وهو الاختيار عند الخليل وسيبويه في كل موضع تذهب فيه الياء لالتقاء ساكنين وإسكانها، كما في قوله تعالى :
وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ [نوح : ٢٨] فمن أسكن في قوله : مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ حذف الياء من اللفظ لالتقاء الساكنين، وهما الياء والسين من اسمه، قاله المبرد وأبو علي، وقوله تعالى : أَحْمَدُ يحتمل معنيين أحدهما :
المبالغة في الفاعل، يعني أنه أكثر حمدا للَّه من غيره وثانيهما : المبالغة من المفعول، يعني أنه يحمد بما فيه من الإخلاص والأخلاق الحسنة أكثر ما يحمد غيره.
ولنذكر الآن بعض ما جاء به عيسى عليه السلام، بمقدم سيدنا محمد عليه السلام في الإنجيل في عدة مواضع أولها : في الإصحاح الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا :«و أنا أطلب لكم إلى أبي حتى يمنحكم، ويعطيكم الفارقليط حتى يكون معكم إلى الأبد، والفارقليط هو روح الحق اليقين» هذا لفظ الإنجيل المنقول إلى العربي، وذكر في الإصحاح الخامس عشر هذا اللفظ :«و أما الفارقليط روح القدس يرسله أبي باسمي،