مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٤٤
المراد منه الخطبة والصلاة كما مر، والثاني ما يجتمع كما في قوله تعالى : رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور : ٣٧].
ثم قال تعالى :
[سورة الجمعة (٦٢) : آية ١١]
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
قال مقاتل : إن دحية بن خليفة الكلبي أقبل بتجارة من الشام قبل أن يسلم وكان معه من أنواع التجارة، وكان يتلقاه أهل المدينة بالطبل والصفق : وكان ذلك في يوم الجمعة والنبي صلى اللّه عليه وسلم قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس وتركوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يبق إلا إثنا عشر رجلا أو أقل كثمانية أو أكثر كأربعين، فقال عليه السلام : لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة، ونزلت الآية : وكان من الذين معه أبو بكر وعمر.
وقال الحسن : أصاب أهل المدينة جوع وغلاء / سعر فقدمت عير والنبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فسمعوا بها وخرجوا إليها، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«لو اتبع آخرهم أولهم لالتهب الوادي عليهم ناراً»
قال قتادة : فعلوا ذلك ثلاث مرات، وقوله تعالى :
أَوْ لَهْواً وهو الطبل، وكانوا إذا أنكحوا الجواري يضربون المزامير، فمروا يضربون، فتركوا النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقوله : انْفَضُّوا إِلَيْها أي تفرقوا وقال المبرد : مالوا إليها وعدلوا نحوها، والضمير في (إليها) للتجارة، وقال الزجاج : انفضوا إليه وإليها، ومعناهما واحد كقوله تعالى : وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة : ٤٥] واعتبر هنا الرجوع إلى التجارة لما أنها أهم إليهم، وقوله تعالى : وَتَرَكُوكَ قائِماً اتفقوا على أن هذا القيام كان في هنا الرجوع إلى التجارة لما أنها أهم إليهم، وقوله تعالى : وَتَرَكُوكَ قائِماً اتفقوا على أن هذا القيام كان في الخطبة للجمعة
قال جابر : ما رأيت رسول اللَّه صلى اللّه عليه وسلم في الخطبة إلا وهو قائم،
وسئل عبد اللَّه أكان النبي يخطب قائما أو قاعدا فقرأ : وَتَرَكُوكَ قائِماً وقوله تعالى : قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ أي ثواب الصلاة والثبات مع النبي صلى اللّه عليه وسلم خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ من اللهو الذي مر ذكره، والتجارة التي جاء بها دحية، وقوله تعالى :
وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ هو من قبيل أحكم الحاكمين وأحسن الخالقين، والمعنى إن أمكن وجود الرازقين فهو خير الرازقين، وقيل : لفظ الرازق لا يطلق على غيره إلا بطريق المجاز، ولا يرتاب في أن الرازق بطريق الحقيقة خير من الرازق بطريق المجاز، وفي الآية مباحث :
البحث الأول : أن التجارة واللهو من قبيل ما لا يرى أصلا، ولو كان كذلك كيف يصح وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً نقول : ليس المراد إلا ما يقرب منه اللهو والتجارة، ومثله حتى يسمع كلام اللَّه، إذ الكلام غير مسموع، بل المسموع صوت يدل عليه.
الثاني : كيف قال : انْفَضُّوا إِلَيْها وقد ذكر شيئين وقد مر الكلام فيه، وقال صاحب «الكشاف» : تقديره إذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهواً انفضوا إليه، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه.
الثالث : أن قوله تعالى : وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ مناسب للتجارة التي مر ذكرها لا للهو، نقول : بل هو مناسب للمجموع لما أن اللهو الذي مر ذكره كالتبع للتجارة، لما أنهم أظهروا ذلك فرحاً بوجود التجارة كما مر، واللَّه أعلم بالصواب، والحمد اللَّه رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.


الصفحة التالية
Icon