مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٤٧
اعلم أنه قوله تعالى : وَإِذا رَأَيْتَهُمْ يعني عبد اللَّه بن أبي، ومغيث بن قيس، وجد بن قيس، كانت لهم أجسام ومنظر، تعجبك أجسامهم لحسنها وجمالها، وكان عبد اللَّه بن أبي جسيما صبيحا فصيحا، وإذا قال :
سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم قوله، وهو قوله تعالى : وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ أي ويقولوا : إنك لرسول اللَّه تسمع لقولهم، وقرئ يسمع على البناء للمفعول، ثم شبههم بالخشب المسندة، وفي الخشب التخفيف كبدنة وبدن وأسد وأسد، والتثقيل كذلك كثمرة، وثمر، وخشبة / وخشب، ومدرة ومدر. وهي قراءة ابن عباس، والتثقيل لغة أهل الحجاز، والخشب لا تعقل ولا تفهم، فكذلك أهل النفاق كأنهم في ترك التفهم، والاستبصار بمنزلة الخشب. وأما المسندة يقال : سند إلى شيء، أي مال إليه، وأسنده إلى الشيء، أي أماله فهو مسند، والتشديد للمبالغة، وإنما وصف الخشب بها، لأنها تشبه الأشجار القائمة التي تنمو وتثمر بوجه ما، ثم نسبهم إلى الجبن وعابهم به، فقال : يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ وقال مقاتل : إذا نادى مناد في العسكر، وانفلتت دابة، أو نشدت ضالة مثلا ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب، وذلك لأنهم على وجل من أن يهتك اللَّه أستارهم، ويكشف أسرارهم، يتوقعون الإيقاع بهم ساعة فساعة، ثم أعلم [اللَّه ] رسوله بعداوتهم فقال : هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ أن تأمنهم على السر ولا تلتفت إلى ظاهرهم فإنهم الكاملون في العداوة بالنسبة إلى غيرهم وقوله تعالى : قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ مفسر وهو دعاء عليهم وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم وتعليم للمؤمنين أن يدعوا بذلك، وأَنَّى يُؤْفَكُونَ أي يعدلون عن الحق تعجبا من جهلهم وضلالتهم وظنهم الفاسد أنهم على الحق.
وقوله تعالى : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ قال الكلبي : لما نزل القرآن على الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بصفة المنافقين مشى إليه عشائرهم من المؤمنين وقالوا : لهم ويلكم افتضحتم بالنفاق وأهلكتم أنفسكم فأتوا رسول اللَّه وتوبوا إليه من النفاق واسألوه أن يستغفر لكم، فأبوا ذلك وزهدوا في الاستغفار فنزلت، وقال ابن عباس لما رجع عبد اللَّه بن أبي من أحد بكثير من الناس مقته المسلمون وعنفوه وأسمعوه المكروه فقال له بنو أبيه : لو أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يستغفر لك ويرضى عنك، فقال : لا أذهب إليه، ولا أريد أن يستغفر لي، وجعل يلوي رأسه فنزلت. وعند الأكثرين، إنما دعى إلى الاستغفار لأنه قال : لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقون : ٨] وقال : لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ [المنافقون : ٧] فقيل له : تعال يستغفر لك رسول اللَّه فقال : ماذا قلت : فذلك قوله تعالى : لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وقرئ : لووا بالتخفيف والتشديد للكثرة والكناية قد تجعل جمعا والمقصود واحد وهو كثير في أشعار العرب قال جرير :
لا بارك اللَّه فيمن كان يحسبكم إلا على العهد حتى كان ما كانا
وإنما خاطب بهذا امرأة وقوله تعالى : وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ أي عن استغفار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ذكر تعالى أن استغفاره لا ينفعهم فقال : سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ قال قتادة : نزلت هذه الآية بعد قوله : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ وذلك لأنها لما نزلت
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم :«خيرني ربي فلأزيدنهم على


الصفحة التالية
Icon