مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٥٥
الثاني : بم انتصب الظرف؟ نقول : قال الزجاج : بقوله : لَتُبْعَثُنَّ وفي «الكشاف» : بقوله : لَتُنَبَّؤُنَّ أو بخبير لما فيه من معنى الوعيد. كأنه قيل : واللَّه معاقبكم يوم يجمعكم أو بإضمار اذكر.
الثالث : قال تعالى في الإيمان : وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ بلفظ المستقبل، وفي الكفر وقال : وَالَّذِينَ كَفَرُوا بلفظ الماضي، فنقول : تقدير الكلام : ومن يؤمن باللَّه من الذين كفروا وكذبوا بآياتنا يدخله جنات ومن لم يؤمن منهم أولئك أصحاب النار.
الرابع : قال تعالى : وَمَنْ يُؤْمِنْ بلفظ الواحد وخالِدِينَ فِيها بلفظ الجمع، نقول : ذلك بحسب اللفظ، وهذا بحسب المعنى.
الخامس : ما الحكمة في قوله : وَبِئْسَ الْمَصِيرُ بعد قوله : خالِدِينَ فِيها وذلك بئس المصير فنقول :
ذلك وإن كان في معناه فلا يدل عليه بطريق التصريح فالتصريح مما يؤكده ثم قال تعالى :
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١١ إلى ١٣]
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣)
قوله تعالى : إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بأمر اللَّه قاله الحسن، وقيل : بتقدير اللَّه وقضائه، وقيل : بإرادة / اللَّه تعالى ومشيئته، وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما : بعلمه وقضائه وقوله تعالى : يَهْدِ قَلْبَهُ أي عند المصيبة أو عند الموت. أو المرض أو الفقر أو القحط، ونحو ذلك فيعلم أنها من اللَّه تعالى فيسلم لقضاء اللَّه تعالى ويسترجع، فذلك قوله : يَهْدِ قَلْبَهُ أي للتسليم لأمر اللَّه، ونظيره قوله : الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ إلى قوله : أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة : ١٥٦، ١٥٧]، قال أهل المعاني : يهد قلبه للشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، وهو معنى قول ابن عباس رضي اللَّه عنهما يهد قلبه إلى ما يحب ويرضى وقرئ نهد قلبه بالنون وعن عكرمة يهد قلبه بفتح الدال وضم الياء، وقرئ يهدأ قال الزجاج : هدأ قلبه يهدأ إذا سكن، والقلب بالرفع والنصب ووجه النصب أن يكون مثل سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة : ١٣٠]. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يحتمل أن يكون إشارة إلى اطمئنان القلب عند المصيبة، وقيل : عليم بتصديق من صدق رسوله فمن صدقه فقد هدى قلبه :
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فيما جاء به من عند اللَّه يعني هونوا المصائب والنوازل واتبعوا الأوامر الصادرة من اللَّه تعالى ومن الرسول فيما دعاكم إليه.
وقوله : فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أي عن إجابة الرسول فيما دعاكم إليه فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ «١» الظاهر والبيان البائن، وقوله : اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يحتمل أن يكون هذا من جملة ما تقدم من الأوصاف الحميدة لحضرة اللَّه تعالى من قوله : لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التغابن : ١] فإن من كان موصوفا بهذه الصفات ونحوها : فهو الذي لا إله إلا هو أي لا معبود إلا هو ولا مقصود إلا هو عليه التوكل في كل

(١) في تفسير الرازي المطبوع فما على الرسول إلا البلاغ وهو خطأ حسب الآية (١٢) السابقة.


الصفحة التالية
Icon