مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٥٧
يأمركم وَأَنْفِقُوا من أموالكم في حق اللَّه خيرا لأنفسكم، والنصب بقوله : وَأَنْفِقُوا كأنه قيل : وقدموا خيرا لأنفسكم، وهو / كقوله : فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ [النساء : ١٧٠] وقوله تعالى : وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ الشح هو البخل، وإنه يعم المال وغيره، يقال : فلان شحيح بالمال وشحيح بالجاه وشحيح بالمعروف، وقيل : يوق ظلم نفسه فالشح هو الظلم، ومن كان بمعزل عن الشح فذلك من أهل الفلاح فإن قيل : نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
، يدل على أن الأموال والأولاد كلها من الأعداء وإِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ يدل على أن بعضهم من الأعداء دون البعض، فنقول : هذا في حيز المنع فإنه لا يلزم أن يكون البعض من المجموع الذي مر ذكره من الأولاد يعني من الأولاد من يمنع ومنهم من لا يمنع، فيكون البعض منهم عدوا دون البعض. ثم قال تعالى :
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١٧ إلى ١٨]
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)
اعلم أن قوله : إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً أي إن تنفقوا في طاعة اللَّه متقاربين إليه يجزكم بالضعف لما أنه شكورا يحب المتقربين إلى حضرته حليم لا يعجل بالعقوبة غفور يغفر لكم، والقرض الحسن عند بعضهم هو التصدق من الحلال، وقيل : هو التصدق بطيبة نفسه، والقرض هو الذي يرجى مثله وهو الثواب مثل الإنفاق في سبيل اللَّه، وقال في «الكشاف» : ذكر القرض تلطف في الاستدعاء وقوله : يُضاعِفْهُ لَكُمْ أي يكتب لكم بالواحدة عشرة وسبعمائة إلى ما شاء من الزيادة وقرئ (يضعفه) شَكُورٌ مجاز أي يفعل بكم ما يفعل المبالغ في الشكر من عظيم الثواب وكذلك حَلِيمٌ يفعل بكم ما يفعل من يحلم عن المسيء فلا يعاجلكم بالعذاب مع كثرة ذنوبكم، ثم لقاتل أن يقول : هذه الأفعال مفتقرة إلى العلم والقدرة، واللَّه تعالى ذكر العلم دون القدرة فقال : عالِمُ الْغَيْبِ، فنقول قوله : الْعَزِيزُ يدل على القدرة من عز إذا غلب والْحَكِيمُ على الحكمة، وقيل : العزيز الذي لا يعجزه شيء، والحكيم الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير، واللَّه تعالى كذلك فيكون عالما قادرا حكيما جل ثناؤه وعظم كبرياؤه، واللَّه أعلم بالصوبا، والحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.


الصفحة التالية
Icon