مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٦٣
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٤ إلى ٥]
وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤) ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥)
قوله : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ الآية، ذكر اللَّه تعالى في سورة البقرة عدة ذوات الأقراء والمتوفى عنها زوجها وذكر عدة سائر النسوة اللائي لم يذكرن هناك في هذه السورة، وروي أن معاذ بن جبل قال : يا رسول الله قد عرفنا عدة التي تحيض، فما عدة التي لم تحض فنزل : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ
وقوله :
إِنِ ارْتَبْتُمْ أي إن أشكل عليكم حكمهن «١» في عدة التي لا تحيض، فهذا حكمهن، وقيل : إن ارتبتم في دم «٢» البالغات مبلغ الإياس وقد قدروه بستين سنة وبخمس وخمسين أهو دم حيض أو استحاضة فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ فلما نزل قوله تعالى : فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ قام رجل فقال : يا رسول الله فما عدة الصغيرة التي لم تحض؟ فنزل : وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ أي هي بمنزلة الكبيرة التي قد يئست عدتها ثلاثة أشهر، فقام آخر وقال، وما عدة الحوامل يا رسول اللَّه؟ فنزل : وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ معناه أجلهن في انقطاع ما بينهن وبين الأزواج وضع الحمل، وهذا عام في كل حامل، وكان على عليه السلام يعتبر أبعد الأجلين، ويقول :
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ [البقرة : ٢٣٤] لا يجوز أن يدخل في قوله : وَأُولاتُ الْأَحْمالِ وذلك لأن أولات الأحمال إنما هو في عدة الطلاق، وهي لا تنقض عدة الوفاة إذا كانت بالحيض، وعند ابن عباس عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين. وأما ابن مسعود فقال : يجوز أن يكون قوله : وَأُولاتُ الْأَحْمالِ مبتدأ خطاب ليس بمعطوف على قوله تعالى : وَاللَّائِي يَئِسْنَ ولما كان مبتدأ يتناول العدد كلها، ومما يدل عليه خبر سبيعة بنت الحرث أنها وضعت حملها بعد وفاة زوجها بخمسة عشر يوما، فأمرها رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم أن تتزوج، فدل على إباحة النكاح / قبل مضي أربعة أشهر وعشر، على أن عدة الحامل تنقضي بوضع الحمل في جميع الأحوال. وقال الحسن : إن وضعت أحد الولدين انقضت عدتها، واحتج بقوله تعالى : أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ولم يقل : أحمالهن، لكن لا يصح، وقرئ (أحمالهن)، وقوله : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً أي ييسر اللَّه عليه في أمره، ويوفقه للعمل الصالح. وقال عطاء : يسهل اللَّه عليه أمر الدنيا والآخرة، وقوله : ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ يعني الذي ذكر من الأحكام أمر اللَّه أنزله إليكم، ومن يتق الله بطاعته، ويعمل بما جاء به محمد صلى اللَّه عليه وسلم يكفر عنه سيئاته من الصلاة إلى الصلاة، ومن الجمعة إلى الجمعة، ويعظم له في الآخرة أجرا، قاله ابن عباس، فإن قيل قال تعالى : أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ولم يقل : أن يلدن، نقول : الحمل اسم لجميع ما في بطنهن، ولو كان كما قاله، لكانت عدتهن بوضع بعض حملهن، وليس كذلك. ثم قال تعالى :
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٦ إلى ٧]
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧)

(١) في مطبوع التفسير الكبير للرازي (حملهن) والمثبت من الكشاف للرازي (٤ / ١٢١ ط. دار الفكر).
(٢) في مطبوع التفسير الكبير للرازي (في البالغات) والمثبت من المرجع السابق.


الصفحة التالية
Icon