مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٩٢
[سورة الملك (٦٧) : آية ١٦]
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦)
واعلم أن هذه الآيات نظيرها قوله تعالى : قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام : ٦٥] وقال : فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ [القصص : ٨١].
واعلم أن المشبهة احتجوا على إثبات المكان للّه تعالى بقوله : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ، والجواب عنه أن هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين، لأن كونه في السماء يقتضي كون السماء محيطا به من جميع الجوانب، فيكون أصغر من السماء، والسماء أصغر من العرش / بكثير، فيلزم أن يكون اللّه تعالى شيئا حقيرا بالنسبة إلى العرش، وذلك باتفاق أهل الإسلام محال، ولأنه تعالى قال : قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ [الأنعام : ١٢] فلو كان اللّه في السماء لوجب أن يكون مالكا لنفسه وهذا محال، فعلمنا أن هذه الآية يجب صرفها عن ظاهرها إلى التأويل، ثم فيه وجوه : أحدها : لم لا يجوز أن يكون تقدير الآية : أأمنتم من في السماء عذابه، وذلك لأن عادة اللّه تعالى جارية، بأنه إنما ينزل البلاء على من يكفر باللّه ويعصيه من السماء فالسماء موضع عذابه تعالى، كما أنه موضع نزول رحمته ونعمته وثانيها : قال أبو مسلم : كانت العرب مقرين بوجود الإله، لكنهم كانوا يعتقدون أنه في السماء على وفق قول المشبهة، فكأنه تعالى قال لهم : أتأمنون من قد أقررتم بأنه في السماء، واعترفتم له بالقدرة على ما يشاء أن يخسف بكم الأرض وثالثها : تقدير الآية : من في السماء سلطانه وملكه وقدرته، والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان اللّه وتعظيم قدرته، كما قال : وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ [الأنعام : ٣] فإن الشيء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين، فوجب أن يكون المراد من كونه في السموات وفي الأرض نفاذ أمره وقدرته، وجريان مشيئته في السموات وفي الأرض، فكذا هاهنا ورابعها : لم
لا يجوز أن يكون المراد بقوله : مَنْ فِي السَّماءِ الملك الموكل بالعذاب، وهو جبريل عليه السلام، والمعنى أن يخسف بهم الأرض بأمر اللّه وإذنه. وقوله : فَإِذا هِيَ تَمُورُ قالوا معناه : إن اللّه تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب وتتحرك، فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها، فيذهبون والأرض فوقهم تمور، فتلقيهم إلى أسفل السافلين، وقد ذكرنا تفسير المور فيما تقدم.
[سورة الملك (٦٧) : آية ١٧]
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧)
ثم زاد في التخويف فقال : أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً.
قال ابن عباس : كما أرسل على قوم لوط فقال : إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً [القمر : ٣٤] والحاصب ريح فيها حجارة وحصباء، كأنها تقلع الحصباء لشدتها، وقيل : هو سحاب فيها حجارة.
ثم هدد وأوعد فقال : فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ.
قيل في النذير هاهنا إنه المنذر، يعني محمدا عليه الصلاة والسلام وهو قول عطاء عن ابن عباس والضحاك، والمعنى فستعلمون رسولي وصدقه، لكن حين لا ينفعكم ذلك، وقيل : إنه بمعنى الإنذار، والمعنى فستعلمون عاقبة إنذاري إياكم بالكتاب والرسول، و(كيف) في قوله : كَيْفَ نَذِيرِ ينبئ عما ذكرنا من صدق الرسول وعقوبة الإنذار.


الصفحة التالية
Icon