مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٩٧
المسألة الأولى : قال بعضهم : القائلون هم الزبانية، وقال آخرون : بل يقول بعضهم لبعض ذلك.
المسألة الثانية : في قوله : تَدَّعُونَ وجوه : أحدها : قال الفراء : يريد تدعون من الدعاء أي تطلبون وتستعجلون به، وتدعون وتدعون واحد في اللغة مثل تذكرون وتذكرون وتدخرون وتدخرون وثانيها : أنه من الدعوى معناه : هذا الذي كنتم تبطلونه أي تدعون أنه باطل لا يأتيكم أو هذا الذي كنتم بسببه وتدعون أنكم لا تبعثون وثالثها : أن يكون هذا استفهاما على سبيل الإنكار، والمعنى أهذا الذي تدعون، لا بل كنتم تدعون عدمه.
المسألة الثالثة : قرأ يعقوب الحضرمي تدعون خفيفة من الدعاء، وقرأ السبعة تَدَّعُونَ مثقلة من الادعاء.
[سورة الملك (٦٧) : آية ٢٨]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨)
اعلم أن هذا الجواب هو من النوع الثاني مما قاله الكفار لمحمد صلى اللّه عليه وسلم حين خوفهم بعذاب اللّه،
يروى أن كفار مكة كانوا يدعون على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك،
كما قال تعالى : أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور : ٣٠] وقال : بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً [الفتح : ١٢] ثم إنه تعالى أجاب عن ذلك من وجهين الوجه الأول : هو هذه الآية، والمعنى قل لهم : إن اللّه تعالى سواء أهلكني بالإماتة أو رحمني بتأخير الأجل، فأي راحة لكم في ذلك، وأي منفعة لكم فيه، ومن الذي يجيركم من عذاب اللّه إذا نزل بكم، أتظنون أن الأصنام تجيركم أو غيرها، فإذا علمتم أن لا مجير لكم فهلا تمسكتم بما يخلصكم من العذاب وهو العلم بالتوحيد والنبوة والبعث. الوجه الثاني : في الجواب قوله تعالى :
[سورة الملك (٦٧) : آية ٢٩]
قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩)
والمعنى أنه الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فيعلم أنه لا يقبل دعاءكم وأنتم أهل الكفر والعناد في حقنا، مع أنا آمنا به ولم نكفر به كما كفرتم، ثم قال : وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا لا على غيره كما فعلتم أنتم حيث توكلتم على رجالكم وأموالكم، وقرئ فَسَتَعْلَمُونَ على المخاطبة، وقرئ بالياء ليكون على وفق قوله : فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ [الكافرين : ٢٨].
واعلم أنه لما ذكر أنه يجب أن يتوكل عليه لا على غيره، ذكر الدليل عليه، فقال تعالى :
[سورة الملك (٦٧) : آية ٣٠]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠)
والمقصود أن يجعلهم مقرين ببعض نعمه ليريهم قبح ما هم عليه من الكفر، أي أخبروني إن صار ماؤكم ذاهبا في الأرض فمن يأتيكم بماء معين، فلا بد وأن يقولوا : هو اللّه، فيقال لهم حينئذ : فلم تجعلون من لا يقدر على شيء أصلا شريكا له في المعبودية؟ وهو كقوله : أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [الواقعة : ٦٨، ٦٩] وقوله : غَوْراً أي غائرا ذاهبا في الأرض يقال : غار الماء يغور غورا، إذا نضب وذهب في الأرض، والغور هاهنا بمعنى الغائر سمي بالمصدر كما يقال : رجل عدل ورضا، والمعين الظاهر الذي تراه العيون فهو من مفعول العين كمبيع، وقيل : المعين الجاري من العيون من الإمعان في الجري كأنه قيل : ممعن في الجري، واللّه سبحانه وتعالى أعلم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الصفحة التالية
Icon