مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٠٥
والزنمة من كل شيء الزيادة، وزنمت الشاة أيضا إذا شقت إذنها فاسترخت ويبست وبقيت / كالشيء المعلق، فالحاصل أن الزنيم هو ولد الزنا الملحق بالقوم في النسب وليس منهم، وكان الوليد دعيا في قريش وليس من سنخهم ادعاه بعد ثمان عشرة [ليلة] من مولده. وقيل : بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية والقول الثاني : قال : الشعبي هو الرجل يعرف بالشر واللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها والقول الثالث : روى عن عكرمة عن ابن عباس قال : معنى كونه زنيما أنه كانت له زنمة في عنقه يعرف بها، وقال مقاتل : كان في أصل أذنه مثل زنمة الشاة.
المسألة الثانية : قول بَعْدَ ذلِكَ معناه أنه بعد ما عدّ له من المثالب والنقائص فهو عتل زنيم وهذا يدل على أن هذين الوصفين وهو كونه عتلا زنيما أشد معايبه لأنه إذا كان جافيا غليظ الطبع قسا قلبه واجترأ على كل معصية، ولأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الولد، ولهذا
قال عليه الصلاة والسلام :«لا يدخل الجنة ولد الزنا ولا ولده ولا ولد ولده»
وقيل : هاهنا بَعْدَ ذلِكَ نظير ثم في قوله : ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البلد :
١٧] وقرأ الحسن (عتل) رفعا على الذم.
ثم إنه تعالى بعد تعديد هذه الصفات قال :
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٤ إلى ١٥]
أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : اعلم أن قوله : أَنْ كانَ يجوز أن يكون متعلقا بما قبله وأن يكون متعلقا بما بعده أما الأول : فتقديره : ولا تطع كل حلاف مهين أن كان ذا مال وبنين، أي لا تطعه مع هذه المثالب ليساره وأولاده وكثرته، وأما الثاني : فتقديره لأجل أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين، والمعنى لأجل أن كان ذا مال وبنين جعل مجازاة هذه النعم التي خولها اليه له الكفر بآياته قال : أبو علي الفاسي : العامل في قوله : أَنْ كانَ إما أن يكون هو قوله : تُتْلى أو قوله قالَ. أو شيئا ثالثا، والأول باطل لأن تُتْلى قد أضيفت إِذا إليه والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله ألا ترى أنك لا تقول : القتال زيدا حين يأتى تريد حين يأتى زيدا، ولا يجوز أن يعمل فيه أيضا قالَ لأن قالَ جواب إِذا، وحكم الجواب أن يكون بعد ما هو جواب له ولا يتقدم عليه، ولما بطل هذان القسمان علمنا أن العالم فيه شيء ثالث دل ما في الكلام عليه وذلك هو يجحد أو يكفر أو يمسك عن قبول الحق أو نحو ذلك، وإنما جاز أن يعمل المعنى فيه، وإن كان متقدما عليه لشبهة بالظرف، والظرف قد تعمل فيه المعاني وإن تقدم عليها، ويدلك على مشابهته للظرف تقدير اللام معه، فإن تقدير الآية : لأن كان ذا مال وإذا صار كالظرف لم يمتنع المعين من أن يعمل فيه، كما لم يمتنع من أن يعمل في نحو قوله : يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [سبأ : ٧] لما كان ظرفا، والعامل فيه القسم الدال عليه قوله : إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ فكذلك قوله : أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ تقديره : إنه جحد آياتنا، لأن كان ذا مال وبنين أو كفر بآياتنا، لأن كان ذا مال وبنين.
المسألة الثانية : قرئ : أأن كان على الاستفهام، والتقدير : ألأن كان ذا مال كذب، أو التقدير :


الصفحة التالية
Icon