مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٠٨
الكلبي : أرسل اللّه عليها نارا من السماء فاحترقت وهم نائمون فأصبحت الجنة كالصريم.
واعلم أن الصريم فعيل، فيحتمل أن يكون بمعنى المفعول، وأن يكون بمعنى الفاعل وهاهنا احتمالات أحدها : أنها لما احترقت كانت شبيهة بالمصرومة في هلاك الثمر وإن حصل الاختلاف في أمور أخر، فإن الأشجار إذا احترقت فإنها لا تشبه الأشجار التي قطعت ثمارها، إلا أن هذا الاختلاف وإن حصل من هذا الوجه، لكن المشابهة في هلاك الثمر حاصلة وثانيها : قال الحسن : أي صرم عنها الخير فليس فيها شيء، وعلى هذين الوجهين الصريم بمعنى المصروم وثالثها : الصريم من الرمل قطعة ضخمة تنصرم عن سائر الرمال، وجمعه الصرائم، وعلى هذا شبهت الجنة وهي محترقة لا ثمر فيها ولا خير بالرملة المنقطعة عن الرمال، وهي لا تنبت شيئا ينتفع به ورابعها : الصبح يسمى صريما لأنه انصرم من الليل، والمعنى أن تلك الجنة يبست وذهبت خضرتها ولم يبق فيها شيء، من قولهم : بيض الإناء إذا فرغه وخامسها : أنها لما احترقت صارت سوداء كالليل المظلم، والليل يسمى صريما وكذا النهار يسمى أيضا صريما، لأن كل واحد منهما ينصرم بالآخر، وعلى هذا الصريم بمعنى الصارم، وقال قوم : سمي الليل صريما، لأنه يقطع بظلمته عن التصرف وعلى هذا هو فعيل بمعنى فاعل، وقال آخرون : سميت الليلة بالصريم، لأنها تصرم نور البصر وتقطعه. ثم قال تعالى :
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٢١ إلى ٢٢]
فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢)
قال مقاتل : لما أصبحوا قال بعضهم لبعض : اغدوا على حرثكم ويعني بالحرث الثمار والزروع والأعناب، ولذلك قال : صارمين لأنهم أرادوا قطع الثمار من هذه الأشجار. فإن قيل : لم لم / يقل اغدوا إلى حرثكم، وما معنى على؟ قلنا : لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه كان غدوا عليه كما تقول : غدا عليهم العدو، ويجوز أن يضمن الغدو معنى الإقبال، كقولهم : يغدي عليهم بالجفنة ويراح، أي فأقبلوا على حرثكم باكرين.
[سورة القلم (٦٨) : آية ٢٣]
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣)
أي يتسارون فيما بينهم، وخفي وخفت وخفد ثلاثتها في معنى كتم ومنه الخفدود للخفاش، قال ابن عباس : غدوا إليها بصدفة «١» يسر بعضهم إلى بعض الكلام لئلا يعلم أحد من الفقراء والمساكين. ثم قال تعالى :
[سورة القلم (٦٨) : آية ٢٤]
أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤)
أَنْ مفسرة، وقرأ ابن مسعود بطرحها بإضمار القول أي يتخافتون يقولون لا يدخلها والنهي للمسكين عن الدخول نهي لهم عن تمكينه منه، أي لا تمكنوه من الدخول [حتى يدخل ] «٢»، كقولك لا أرينك هاهنا. ثم قال :

(١) غير واضحة في الأصل.
(٢) زيادة من الكشاف. [.....]


الصفحة التالية
Icon