مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦١٤
عليها بواسطة علم البيان، فرحم اللّه امرأ عرف قدره، وما تجاوز طوره القول الثاني : وهو قول أبي سعيد الضرير : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ، أي عن أصل الأمر، وساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر، وساق الإنسان، أي يظهر يوم القيامة حقائق الأشياء وأصولها القول الثالث : يوم يكشف عن ساق جهنم، أو عن ساق العرش، أو عن ساق ملك مهيب عظيم، واللفظ لا يدل إلا على ساق، فأما أن ذلك الساق ساق أي شيء هو فليس في اللفظ ما يدل عليه والقول الرابع : وهو اختيار المشبهة، أنه ساق اللّه، تعالى اللّه عنه
روى عن ابن مسعود عنه عليه الصلاة والسلام :«أنه تعالى يتمثل للخلق يوم القيامة حين يمر المسلمون، فيقول : من تعبدون؟
فيقولون : نعبد اللّه فيشهدهم مرتين أو ثلاثا ثم يقول : هل تعرفون ربكم، فيقولون : سبحانه إذا عرفنا نفسه عرفناه، فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن إلا خر ساجدا، ويبقى المنافقون ظهورهم كالطبق الواحد كأنما فيها السفافيد»

واعلم أن هذا القول باطل لوجوه أحدها : أن الدلائل دلت على أن كل جسم محدث، لأن كل جسم متناه، وكل متناه محدث ولأن كل جسم فإنه لا ينفك عن الحركة والسكون، وكل ما كان كذلك فهو محدث، ولأن كل جسم ممكن، وكل ممكن محدث وثانيها : أنه لو كان المراد ذلك لكان من حق الساق أن يعرف، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن، أما لو حملناه على الشدة، ففائدة التنكير الدلالة على التعظيم، كأنه قيل : يوم يكشف عن شدة، وأي شدة، لا يمكن وصفها وثالثها : أن التعريف لا يحصل بالكشف عن الساق، وإنما يحصل بكشف الوجه القول الثاني : أن قوله : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ليس المراد منه يوم القيامة، بل هو في الدنيا، وهذا قول أبي مسلم قال : أنه لا يمكن حمله على يوم القيامة لأنه تعالى قال في وصف هذا اليوم : وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف، بل المراد منه، إما آخر أيام الرجل في دنياه كقوله تعالى : يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى [الفرقان : ٢٢] ثم إنه يرى الناس يدعون إلى الصلوات إذا حضرت أوقاتها، وهو لا يستطيع الصلاة لأنه الوقت الذي لا ينفع نفسا إيمانها، وإما حال الهرم والمرض والعجز وقد كانوا قبل ذلك اليوم يدعون إلى السجود وهم سالمون مما بهم الآن، إما من الشدة النازلة بهم من هول ما عاينوا عند الموت أو من العجز والهرم، ونظير هذه الآية قوله : فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة : ٨٣] واعلم أنه لا نزاع في أنه يمكن حمل اللفظ على ما قاله أبو مسلم، فأما قوله :
إنه لا يمكن حمله على القيامة بسبب أن الأمر بالسجود حاصل هاهنا، والتكاليف زائلة يوم القيامة فجوابه أن ذلك لا يكون على سبيل التكليف، بل على سبيل التقريع والتخجيل، فلم قلتم : إن ذلك غير جائز.
المسألة الثالثة : قرئ : يوم نكشف بالنون وتكشف بالتاء المنقوطة من فوق على البناء للفاعل والمفعول جميعا والفعل للساعة أو للحال، أي يوم يشتد الحال أو الساعة، كما تقول :/ كشف الحرب عن ساقها على المجاز. وقرئ (تكشف) بالتاء المضمومة وكسر الشين من أكشف إذا دخل في الكشف، ومنه أكشف الرجل فهو مكشف إذا انقلبت شفته العليا.
قوله تعالى : وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ اعلم أنا بينا أنهم لا يدعون إلى السجود تعبدا وتكليفا، ولكن توبيخا وتعنيفا على تركهم السجود في الدنيا، ثم إنه تعالى حال ما يدعوهم إلى السجود يسلب عنهم القدرة على السجود، ويحول بينهم وبين


الصفحة التالية
Icon