مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦١٦
آمنين إلى ذلك الوقت ولأقدموا على المعاصي. وفي ذلك إغراء بالمعاصي، وأجاب الجبائي عنه، فقال :
سنستدرجهم إلى العذاب من حيث لا يعلمون في الآخرة، وأملي لهم في الدنيا توكيدا للحجة عليهم إن كيدي متين فأمهله وأزيح الأعذار عنه ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة فهذا هو المراد من الكيد المتين، ثم قال : والذي يدل على أن المراد ما ذكرنا أنه تعالى قال قبل هذه الآية : فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ [القلم : ٤٤] ولا شك أن هذا التهديد إنما وقع بعقاب الآخرة، فوجب أن يكون المراد من الاستدراج والكيد المذكورين عقيبه هو عذاب الآخرة، أو العذاب الحاصل عند الموت، واعلم أن أصحابنا قالوا الحرف الذي ذكرناه وهو : أن هذا الإمهال إذا كان متأديا إلى الطغيان كان الراضي بالإمهال العالم بتأديه إلى الطغيان لا بد وأن يكون راضيا بذلك الطغيان، واعلم أن قولهم : سَنَسْتَدْرِجُهُمْ- إلى قوله- إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ مفسر في سورة الأعراف [١٨٢]. ثم قال تعالى :
[سورة القلم (٦٨) : آية ٤٦]
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦)
وهذه الآية مع ما بعدها مفسرة في سورة الطور، [٤٠] وأقول : إنه أعاد الكلام إلى ما تقدم من قوله : أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ [القلم : ٤١] والمغرم الغرامة أي لم يطلب منهم على الهداية والتعليم أجرا فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم فيثبطهم ذلك عن الإيمان. / ثم قال تعالى :
[سورة القلم (٦٨) : آية ٤٧]
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)
وفيه وجهان الأول : أن عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه ثواب ما هم عليه من الكفر والشرك، فلذلك أصروا عليه، وهذا استفهام على سبيل الإنكار الثاني : أن الأشياء الغائبة كأنها حضرت في عقولهم حتى إنهم يكتبون على اللّه أي يحكمون عليه بما شاءوا وأرادوا.
[سورة القلم (٦٨) : آية ٤٨]
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)
[في قوله تعالي فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ] ثم إنه تعالى لما بالغ في تزييف طريقة الكفار وفي زجرهم عما هم عليه قال لمحمد صلى اللّه عليه وآله وسلم : فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وفيه وجهان الأول : فاصبر لحكم ربك في إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم والثاني : فاصبر لحكم ربك في أن أوجب عليك التبليغ والوحي وأداء الرسالة، وتحمل ما يحصل بسبب ذلك من الأذى والمحنة.
ثم قال تعالى : وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : العامل في إِذْ معني قوله : كَصاحِبِ الْحُوتِ يريد لا تكن كصاحب الحوت حال ندائه وذلك لأنه في ذلك الوقت كان مكظوما فكأنه قيل : لا تكن مكظوما.
المسألة الثانية : صاحب الحوت يونس عليه السلام، إذ نادى في بطن الحوت بقوله : لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء : ٨٧]، وَهُوَ مَكْظُومٌ مملوء غيظا من كظم السقاء إذا ملأه، والمعنى لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاضبة، فتبلى ببلائه ثم قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon