مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٢٣
المسألة الأولى : في الباقية ثلاثة أوجه أحدها : إنها البقية وثانيها : المراد من نفس باقية وثالثها : المراد بالباقية البقاء، كالطاغية بمعنى الطغيان.
المسألة الثانية : ذهب قوم إلى أن المراد أنه لم يبق من نسل أولئك القوم أحد، واستدل بهذه الآية على قوله قال ابن جريج : كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عقاب اللّه من الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر، فذاك هو قوله : فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ وقوله : فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [الأحقاف : ٢٥].
القصة الثانية قصة فرعون
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ٩]
وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩)
أي ومن كان قبله من الأمم التي كفرت كما كفر هو، و(من) لفظ عام ومعناه خاص في الكفار دون المؤمنين، قرأ أبو عمرو وعاصم والكسائي، ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء، قال سيبويه : قبل لما ولي الشيء تقول : ذهب قبل السوق، ولى قبلك حق، أي فيما يليك، واتسع فيه حتى صار بمنزلة لي عليك، فمعنى مَنْ قَبْلَهُ أي من عنده من أتباعه وجنوده والذي يؤكد هذه القراءة ما روي أن ابن مسعود وأبيا وأبا موسى قرءوا : ومن تلقاءه روى عن أبي وحده أنه قرأ : ومن معه أما قوله : وَالْمُؤْتَفِكاتُ فقد تقدم تفسيرها، وهم الذين أهلكوا من قوم لوط، على معنى والجماعات المؤتفكات، وقوله : بِالْخاطِئَةِ فيه وجهان الأول :
أن الخاطئة مصدر كالخطإ والثاني : أن يكون المراد بالفعلة / أو الأفعال ذات الخطأ العظيم.
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ١٠]
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠)
الضمير إن كان عائدا إلى فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ [الحاقة : ٩]، فرسول ربهم هو موسى عليه السلام، وإن كان عائدا إلى أهل المؤتفكات فرسول ربهم هو لوط، قال الواحدي : والوجه أن يقال : المراد بالرسول كلاهما للخبر عن الأمتين بعد ذكرهما بقوله، فَعَصَوْا فيكون كقوله : نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
[الشعراء : ١٦] وقوله : فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً يقال : ربا الشيء يربو إذا زاد ثم فيه وجهان الأول : أنها كانت زائدة في الشدة على عقوبات سائر الكفار كما أن أفعالهم كانت زائدة في القبح على أفعال سائر الكفار الثاني : أن عقوبة آل فرعون في الدنيا كانت متصلة بعذاب الآخرة، لقوله : أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً [نوح : ٢٥] وعقوبة الآخرة أشد من عقوبة الدنيا، فتلك العقوبة كأنها كانت تنمو وتربو.
القصة الثالثة قصة نوح عليه السلام
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ١١]
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١)
طغى الماء على خزانه فلم يدروا كم خرج وليس ينزل من السماء قطرة قبل تلك الواقعة ولا بعدها إلا بكيل معلوم، وسائر المفسرين قالوا : طَغَى الْماءُ أي تجاوز حده حتى علا كل شيء وارتفع فوقه، وحَمَلْناكُمْ أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم، ولا شك أن الذين خوطبوا بهذا هم أولاد الذين كانوا في