مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٢٥
المسألة الثانية : المراد من هذه النفخة الواحدة هي النفخة الأولى لأن عندها يحصل خراب العالم، فإن قيل : لم قال بعد ذلك يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ [الحاقة : ١٨] والعرض إنما يكون عند النفخة الثانية؟ قلنا : جعل اليوم اسما للحين الواسع الذي تقع فيه النفختان، والصعقة والنشور، والوقوف والحساب، فلذلك قال : يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ كما تقول : جئته عام كذا، وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته.
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ١٤]
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤)
فيه مسألتان :
المسألة الأولى : رفعت الأرض والجبال، إما بالزلزلة التي تكون في القيامة، وإما بريح بلغت من قوة عصفها أنها تحمل الأرض والجبال، أو بملك من الملائكة أو بقدرة اللّه من غير / سبب فدكتا، أي فدكت الجملتان جملة الأرض وجملة الجبال، فضرب بعضها ببعض، حتى تندق وتصير كثيبا مهيلا وهباء منبثا والدك أبلغ من الدق، وقيل : فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا من قولك : اندك السنام إذا انفرش، وبعير أدك وناقة دكاء ومنه الدكان.
المسألة الثانية : قال الفراء : لا يجوز في دكة هاهنا إلا النصب لارتفاع الضمير في دكتا، ولم يقل : فدككن لأنه جعل الجبال كالواحدة والأرض كالواحدة، كما قال : أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً [الأنبياء : ٣٠] ولم يقل : كن ثم قال تعالى :
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٥ إلى ١٦]
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦)
أي فيومئذ قامت القيامة الكبرى وانشقت السماء لنزول الملائكة. فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ أي مسترخية ساقطة القوة كالعهن المنفوش بعد ما كانت محكمة شديدة.
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ١٧]
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
ثم قال تعالى : وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : وَالْمَلَكُ لم يرد به ملكا واحدا، بل أراد الجنس والجمع.
المسألة الثانية : الأرجاء في اللغة النواحي يقال : رجا ورجوان والجمع الأرجاء، ويقال ذلك لحرف البئر وحرف القبر وما أشبه ذلك، والمعنى أن السماء إذا انشقت عدلت الملائكة عن مواضع الشق إلى جوانب السماء، فإن قيل : الملائكة يموتون في الصعقة الأولى، لقوله : فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزمر : ٦٨] فكيف يقال : إنهم يقفون على أرجاء السماء؟ قلنا : الجواب من وجهين : الأول : أنهم يقفون لحظة على أرجاء السماء ثم يموتون الثاني : أن المراد الذين استثناهم اللّه في قوله : إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر : ٦٨].
قوله تعالى : وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ فيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا العرش هو الذي أراده اللّه بقوله الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ [غافر : ٧] وقوله :


الصفحة التالية
Icon