مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٣٣
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٨ إلى ٣٩]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : منهم من قال : المراد أقسم و(لا) صلة، أو يكون رد الكلام سبق، ومنهم من قال : لا هاهنا نافية للقسم، كأنه قال : لا أقسم، على أن هذا القرآن قول رسول كريم يعني أنه لوضوحه يستغني عن القسم، والاستقصاء في هذه المسألة سنذكره في أول سورة لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ [القيامة : ١].
المسألة الثانية : قوله : بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ يوم جميع الأشياء على الشمول، لأنها لا تخرج من قسمين : مبصر وغير مبصر، فشمل الخالق والخلق، والدنيا والآخرة، والأجسام والأرواح، والإنس والجن، والنعم الظاهرة والباطنة. ثم قال تعالى :
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ٤٠]
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠)
واعلم أنه تعالى ذكر في سورة إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير : ١] مثل هذا الكلام، والأكثرون هناك على أن المراد منه جبريل عليه السلام، والأكثرون هاهنا على أن المراد منه محمد صلى اللّه عليه وسلم، واحتجوا / على الفرق بأن هاهنا لما قال : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذكر بعده أنه ليس بقول شاعر، ولا كاهن، والقوم ما كانوا يصفون جبريل عليه السلام بالشعر والكهانة، بل كانوا يصفون محمدا بهذين الوصفين. وأما في سورة : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ لما قال : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ثم قال بعده : وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ [التكوير : ٢٥] كان المعنى : إنه قول ملك كريم، لا قول شيطان رجيم، فصح أن المراد من الرسول الكريم هاهنا هو محمد صلى اللّه عليه وسلم، وفي تلك السورة هو جبريل عليه السلام، وعند هذا يتوجه السؤال : أن الأمة مجمعة على أن القرآن كلام اللّه تعالى، وحينئذ يلزم أن يكون الكلام الواحد كلاما للّه تعالى، ولجبريل ولمحمد، وهذا غير معقول والجواب :
أنه يكفي في صدق الإضافة أدنى سبب، فهو كلام اللّه تعالى، بمعنى أنه تعالى هو الذي أظهره في اللوح المحفوظ، وهو الذي رتبه ونظمه، وهو كلام جبريل عليه السلام، بمعنى أنه هو الذي أنزله من السموات إلى الأرض، وهو كلام محمد، بمعنى أنه هو الذي أظهره للخلق، ودعا الناس إلى الإيمان به، وجعله حجة لنبوته.
ثم قال تعالى :
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤١ إلى ٤٢]
وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢)
وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الجمهور : تؤمنون وتذكرون بالتاء المنقوطة من فوق على الخطاب إلا ابن كثير، فإنه


الصفحة التالية
Icon