مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٧٤
العاقل عليها لغير اللّه تعالى، وعلى هذا القول معنى المساجد مواضع السجود من الجسد واحدها مسجد بفتح الجيم وخامسها : قال عطاء عن ابن عباس رضي اللّه عنهما : يريد بالمساجد مكة بجميع ما فيها من المساجد، وذلك لأن مكة قبلة الدنيا وكل أحد يسجد إليها، قال الواحدي : وواحد المساجد على الأقوال كلها مسجد بفتح الجيم إلا على قول من يقول : إنها المواضع التي بنيت للصلاة فإن واحدها بكسر الجيم لأن المواضع والمصادر كلها من هذا الباب بفتح العين إلا في أحرف معدودة وهي : المسجد والمطلع والمنسك والمسكن والمنبت والمفرق والمسقط والمجزر والمحشر والمشرق والمغرب، وقد جاء في بعضها الفتح وهو المنسك والمسكن والمفرق والمطلع، وهو جائز في كلها وإن لم يسمع.
المسألة الثالثة : قال الحسن : من السنة إذا دخل الرجل المسجد أن يقول لا إله إلا اللّه لأن قوله : فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً في ضمنه أمر بذكر اللّه وبدعائه.
النوع الرابع : من جملة الموحى قوله تعالى :
[سورة الجن (٧٢) : آية ١٩]
وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩)
اعلم أن عبد اللّه هو النبي صلى اللّه عليه وسلم في قول الجميع، ثم قال الواحدي : إن هذا من كلام الجن لا من جملة الموحى، لأن الرسول لا يليق أن يحكي عن نفسه بلفظ المغايبة وهذا غير بعيد، كما في قوله : يوم يحشر المتقين إلى الرحمن وفدا [مريم : ٨٥] والأكثرون على أنه من جملة الموحى، إذ لو كان من كلام الجن لكان ما ليس من كلام الجن. وفي خلل ما هو كلام الجن مختلا بعيدا عن سلامة النظم وفائدة هذا الاختلاف أن من جعله من جملة الموحى فتح الهمزة في أن، ومن جعله من كلام الجن كسرها، ونحن نفسر الآية على القولين، أما على قول من قال : إنه من جملة الموحى فالضمير في قوله : كادُوا إلى من يعود؟ فيه ثلاثة أوجه أحدها :
إلى الجن، ومعنى قامَ... يَدْعُوهُ أي قام يعبده يريد قيامه لصلاة الفجر حين أتاه الجن، فاستمعوا القراءة كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً، أي يزدحمون عليه متراكمين تعجبا مما رأوا من عبادته، واقتداء أصحابه به قائما وراكعا، وساجدا وإعجابا بما تلا من القرآن، لأنهم رأوا ما لم يروا مثله، وسمعوا ما لم يسمعوا مثله والثاني :
لما قدم رسول اللّه يعبد اللّه وحده مخالفا للمشركين في عبادتهم الأوثان، كاد المشركون لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه والثالث : وهو قول قتادة : لما قام عبد اللّه تلبدت / الإنس والجن، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاء به ويطفئوا نور اللّه، فأبى اللّه إلا أن ينصره ويظهره على من عاداه، وأما على قول من قال : إنه من كلام الجن، فالوجهان أيضا عائدان فيه، وقوله : لِبَداً فهو جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه على بعض وارتكم بعضه على بعض، وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقا شديدا فقد لبدته، ومنه اشتقاق هذه اللبود التي تفرش ويقال : لبدة الأسد لما يتلبد من الشعر بين كتفيه، ومنه قول زهير :
[لدى أسد شاكي السلاح مقذف ] له لبد أظفاره لم تقلم
وقرئ : لبدا بضم اللام واللبدة في معنى اللبدة، وقرئ لبدا جمع لا بد كسجّد في ساجد. وقرئ أيضا : لبدا بضم اللام والباء جمع لبود كصبر جمع صبور، فإن قيل : لم سمي محمدا بعبد اللّه، وما ذكره برسول اللّه أو نبي اللّه؟ قلنا : لأنه إن كان هذا الكلام من جملة الموحى، فاللائق بتواضع الرسول أن يذكر نفسه


الصفحة التالية
Icon