مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٩٧
لساحر، فوقعت الضجة في الناس أن محمدا ساحر، فلما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك اشتد عليه، ورجع إلى بيته محزونا فتدثر بثوبه، فأنزل اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وثالثها : أنه عليه الصلاة والسلام كان نائما متدثرا بثيابه، فجاءه جبريل عليه السلام وأيقظه، وقال : يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ كأنه قال : له اترك التدثر بالثياب والنوم، واشتغل بهذا المنصب الذي نصبك اللّه له.
القول الثاني : أنه ليس المراد من المدثر، المتدثر بالثياب، وعلى هذا الاحتمال فيه وجوه أحدها : أن المراد كونه متدثرا بدثار النبوة والرسالة من قولهم : ألبسه اللّه لباس التقوى وزينه برداء العلم، ويقال : تلبس فلان بأمر كذا، فالمراد يا أيها المدثر بدثار النبوة قم فأنذر وثانيها : أن المتدثر بالثوب يكون كالمختفي فيه، وأنه عليه الصلاة والسلام في جبل حراء كان كالمختفي من الناس، فكأنه قيل : يا أيها المتدثر بدثار الخمول والاختفاء، قم بهذا الأمر واخرج من زاوية الخمول، واشتغل بإنذار الخلق، والدعوة إلى معرفة الحق وثالثها : أنه تعالى جعله رحمة للعالمين، فكأنه قيل له : يا أيها المدثر بأثواب العلم العظيم، والخلق الكريم، والرحمة الكاملة قم فأنذر عذاب ربك.
المسألة الثالثة : عن عكرمة أنه قرئ على لفظ اسم المفعول من دثره، كأنه قيل له : دثرت هذا الأمر وعصيت به، وقد سبق نظيره في المزمل.
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٢]
قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)
في قوله : قُمْ وجهان أحدهما : قم من مضجعك والثاني : قم قيام عزم وتصميم، وفي قوله : فَأَنْذِرْ وجهان أحدهما : حذر قومك من عذاب اللّه إن لم يؤمنوا. وقال ابن عباس : قم نذيرا للبشر، احتج القائلون بالقول الأول بقوله تعالى : وَأَنْذِرْ [الأنعام : ٥١] واحتج القائلون بالقول الثاني بقوله تعالى : وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ : ٢٨] وهاهنا قول ثالث، وهو أن المراد فاشتغل بفعل الإنذار، كأنه تعالى يقول له تهيأ لهذه الحرفة، فإنه فرق بين أن يقال تعلم صنعة المناظرة، وبين أن يقال : ناظر زيدا.
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٣]
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)
فيه مسألتان :
المسألة الأولى : ذكروا في تفسير التكبير وجوها أحدها : قال الكلبي : عظم ربك / مما يقوله عبدة الأوثان وثانيها : قال مقاتل : هو أن يقول : اللّه أكبر،
روى أنه «لما نزلت هذه الآية قام النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال : اللّه أكبر كبيرا، فكبرت خديجة وفرحت، وعلمت أنه أوحى إليه»
وثالثها : المراد منه التكبير في الصلوات، فإن قيل : هذه السورة نزلت في أول البعث وما كانت الصلاة واجبة في ذلك الوقت قلنا : لا يبعد أنه كانت له عليه السلام صلوات تطوعية، فأمر أن يكبر ربه فيها ورابعها : يحتمل عندي أن يكون المراد أنه لما قيل له : قُمْ فَأَنْذِرْ قيل بعد ذلك : وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ عن اللغو والعبث.
واعلم أنه ما أمرك بهذا الإنذار إلا لحكمة بالغة، ومهمات عظيمة، لا يجوز لك الإخلال بها، فقوله :
وَرَبَّكَ كالتأكيد في تقرير قوله : قُمْ فَأَنْذِرْ وخامسها : عندي فيه وجه آخر وهو أنه لما أمره بالإنذار، فكأن