مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧١٠
المسألة الأولى : هذا العدد إنما صار سببا لفتنة الكفار من وجهين الأول : أن الكفار يستهزئون، يقولون :
لم لم يكونوا عشرين، وما المقتضى لتخصيص هذا العدد بالوجود؟ الثاني : أن الكفار يقولون هذا العدد القليل كيف يكونون وافين بتعذيب أكثر خلق العالم من الجن والإنس من أول ما خلق اللّه إلى قيام القيامة؟ وأما أهل الإيمان فلا يلتفتون إلى هذين السؤالين.
أما السؤال الأول : فلأن جملة العالم متناهية، فلا بد وأن يكون للجواهر الفردة التي منها تألفت جملة هذا العالم عدد معين، وعند ذلك يجيء ذلك السؤال، وهو أنه لم خصص ذلك العدد بالإيجاد، ولم يزد على ذلك العدد جوهر آخر ولم ينقص، وكذا القول في إيجاد العالم، فإنه لما كان العالم محدثا والإله قديما، فقد تأخر العالم عن الصانع بتقدير مدة غير متناهية، فلم لم يحدث / العالم قبل أن حدث بتقدير لحظة أو بعد أن وجد بتقدير لحظة؟ وكذا القول في تقدير كل واحد من المحدثات بزمانه المعنى، وكل واحد من الأجسام بأجزائه المحدودة المعدودة، ولا جواب عن شيء من ذلك إلا بأنه قادر مختار، والمختار له أن يرجح الشيء على مثله من غير علة، وإذا كان هذا الجواب هو المعتمد في خلق جملة العالم، فكذا في تخصيص زبانية النار بهذا العدد.
وأما السؤال الثاني : فضعيف أيضا، لأنه لا يبعد في قدرة اللّه تعالى أن يعطي هذا العدد من القدرة والقوة ما يصيرون به قادرين على تعذيب جملة الخلق، ومتمكنين من ذلك من غير خلل، وبالجملة فمدار هذين السؤالين على القدح في كمال قدرة اللّه، فأما من اعترف بكونه تعالى قادرا على مالا نهاية له من المقدورات، وعلم أن أحوال القيامة على خلاف أحوال الدنيا زال عن قلبه هذه الاستبعادات بالكلية.
المسألة الثانية : احتج من قال : إنه تعالى قد يريد الإضلال بهذه الآية، قال لأن قوله تعالى : وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا يدل على أن المقصود الأصلي إنما هو فتنة الكافرين، أجابت المعتزلة عنه من وجوه أحدها : قال الجبائي : المراد من الفتنة تشديد التعبد ليستدلوا ويعرفوا أنه تعالى قادر على أن يقوي هؤلاء التسعة عشر على مالا يقوى عليه مائة ألف ملك أقوياء وثانيها : قال الكعبي : المراد من الفتنة الامتحان حتى يفوض المؤمنون حكمة التخصيص بالعدد المعين إلى علم الخالق سبحانه، وهذا من المتشابه الذي أمروا بالإيمان به وثالثها : أن المراد من الفتنة ما وقعوا فيه من الكفر بسبب تكذيبهم بعدد الخزنة، والمعنى إلا فتنة على الذين كفروا ليكذبوا به، وليقولوا ما قالوا، وذلك عقوبة لهم على كفرهم، وحاصله راجع إلى ترك الألطاف والجواب : أنه لا نزاع في شيء مما ذكرتم، إلا أنا نقول : هل لإنزال هذه المتشابهات أثر في تقوية داعية الكفر، أم لا؟ فإذا لم يكن له أثر في تقوية داعية الكفر، كان إنزالها كسائر الأمور الأجنبية، فلم يكن للقول بأن إنزال هذه المتشابهات فتنة للذين كفروا وجه ألبتة، وإن كان له أثر في تقوية داعية الكفر، فقد حصل المقصود، لأنه إذا ترجحت داعية الفعل، صارت داعية الترك مرجوحة، والمرجوح يمتنع أن يؤثر، فالترك يكون ممتنع الوقوع، فيصير الفعل واجب الوقوع واللّه أعلم، واعلم أنه تعالى بين أن المقصود من إنزال هذا المتشابه أمور أربعة. أولها : لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وثانيها : وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وثالثها : وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ورابعها : وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ


الصفحة التالية
Icon